الأمن المائي العربي [4/6]..المياه أغلى من البنزين في ليبيا

03 مايو 2015
الليبيون مهدّدون بالعطش لعدم الاهتمام بأمنهم المائي(فرانس برس)
+ الخط -
يعمل المواطن الليبي خالد العلي، البالغ من العمر 30 عاماً، في مهنة بيع المياه، عبر خزان مياه متنقل، يبيع بضاعته التي صار الطلب عليها جنونياً من قبل سكان العاصمة طرابلس، إذ كان يوزع في السابق 30 ألف لتر مكعب في اليوم، لكنه الآن ينقل ما يزيد عن 160 ألف لتر في اليوم الواحد، دون توقف، كما يقول.

في الماضي كان العلي يبيع الـ30 لتراً بسعر لا يتجاوز الـ30 ديناراً (21 دولاراً أميركياً) ، أما الآن فتجاوز سعر الكمية ذاتها 60 ديناراً (42 دولاراً أميركياً)، وهو سعر لن يستطيع كل الليبيين دفعه، كما يقول لـ"العربي الجديد".

العطش الليبي

يرجع الطلب المتزايد على بائعي المياه، مثل العلي ورفاقه، إلى انقطاع المياه في طرابلس وضواحيها عدة مرات، بسبب الحرب الدائرة في البلاد، ما رفع أسعار المياه المباعة من خزانات المياه بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، إذ تشكو ليبيا نقصاً حاداً في المياه الجوفية، وتشكل الصحراء 95% تقريباً من مساحة ليبيا الشاسعة والتي تبلغ مليوناً وسبعمئة ألف كيلومتر مربع تقريباً، أما الأراضـي الصالحة للزراعة فانحسرت من 5% تقريباً، إلى 3% فقط، بسبب حالة الفقر المائي المتزايد التي تمر بها البلاد.
منذ ستينات القرن الماضي، بدأت قصة النهر الصناعي حين اكتشفت شركات التنقيب عن البترول بمناطق الجنوب الشرقي والجنوب الغربي مخزوناً هائلاً من المياه الجوفية النقية، منذ العصر "الهولوسيني"، وجرى نقل جزء من هذه المياه عبر النهر الصناعي إلى المدن الساحلية لتروي عطش سكانها، لكن الخزانات الجوفية نزفت بشدة، بعد الثورة الزراعية التي انطلقت عام 1975 في عهد معمر القذافي، إذ جرى رفع الحظر عن المشاريع الزراعية الشرهة للمياه، مثل الحمضيات، وهو ما أثّر على حوض الجفارة المائي الذي تسربت إليه المياه المالحة.

مطلع الثمانينات، بدأ مشروع النهر الصناعي في جلب المياه من جنوب ليبيا إلى شمالها عبر ضخ المياه الجوفية من وسط الصحراء عبر أربعة أنابيب عملاقة يبلغ قطر الواحد منها أربعة أمتار بكلفة ناهزت 30 مليار دولار أميركي، يشارك فيها الليبيون عبر ضريبة مستقطعة من رواتب العاملين، استمرت من عام 1983 حتى 2011، إلى أن إلغاها المجلس الانتقالي بعد ثورة 17 فبراير.

الفقر المائي

يؤكد محمد الحجاجي، مدير منظومة الحساونة والجفارة بجهاز إدارة وتنفيذ مشروع النهر الصناعي، أن ليبيا تعدّ من الدول التي تعاني فقراً مائياً وتراجعاً في المياه الجوفية، وتابع: "على الرغم من ذلك، يقوم بعض المواطنين بإهدار المياه، مثل ما حدث في جهة السدادة من تسريب حوالي 300 ألف متر مكعب تمثل حوالي 25% من الإنتاج من منظومة الجفارة وجبل الحساونة".

وتابع قائلاً، لـ"العربي الجديد": "قرابة 100 ألف قدم مكعب من المياه مقطوعة عن مناطق جبل نفوسة منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، نتيجة الأعمال غير الشرعية في التعدي على الأنابيب المغذية، بالإضافة إلى الانقطاع الكهربائي المتكرر".

وبحسب قانون المياه الليبي رقم (3) لسنة 1983 والذي ينص في المادة الثانية بأن مصادر المياه هي ملك للشعب ويلتزم كل شخص بالمحافظة عليها وعدم الإسراف في استخدامها، كما أن قانون الجرائم الاقتصادية رقم (2) لسنة 1979 يعاقب بالسجن والغرامة المالية كل من يلحق ضرراً في الإنتاج الوطني والذي يسبب إغلاقه أو عرقلته ضرراً بالمنشآت العامة والخاصة. يشير الحجاجي إلى أن الطاقة التصميمية للنهر الصناعي تستمر حتى 50 عاماً، بدءاً من عام 1997، وأن ليبيا عليها الاستعداد للأسوأ مائياً.



ندرة الأمطار

تعاني ليبيا من ندرة سقوط الأمطار، وهو ما أدى، بحسب سليمان عبود، مدير إدارة الإعلام والتوعية المائية بوزارة الموراد المائية في ليبيا، إلى عدم تغذية المياة الجوفية. وأوضح عبود، لـ"العربي الجديد"، أن ليبيا تعتمد على المياه الجوفية بنسبة 95.6%، ومياه الوديان بنسبة 2.7%، ومياه التحلية بنسبة 1.4%، والمياه المُعاد استخدامها بعد معالجتها بنسبة 0.7%.

وأشار إلى تأسيس 8 محطات لتحلية مياه البحر من طبرق شرقاً وحتى زوارة غرباً ـ زمن نظام القذافي ـ بطاقة إنتاجية يومية أقل من 390 ألف قدم مكعب، قائلاً: "سوف تزيد الطاقة لتصل إلى مليوني قدم مكعب من الماء يومياً مع حلول عام 2025، لكن هذه المياه تغطي المدن الساحلية فقط، وتعاني الأرياف والمناطق النائية عجزاً مائياً كبيراً.

ويشير عبود إلى مقترح ربط مشروع النهر الصناعي ببحيرة تشاد، الذي كثر الحديث عنه خلال السنوات السابقة، وهو يحتاج إلى قرار سياسي وبحث جاد لمواجهة حالة الفقر المائي الشديد التي تعاني منها ليبيا والتي تؤثر على أمنها القومي المائي، قائلاً: "طرح البعض فكرة ربط بحيرة تشاد بنهر الكونغو، ومن ثم ربطها بالنهر الصناعي، وتحدث البعض بأنها مكلفة من الناحية المالية، لكن في كل الأحوال لا بد من حل".

التلوّث يهدّد ما تبقّى من مياه

يؤكد سليمان الباروني، مستشار في الهيئة العامة للمياه، وجود مشكلة تلوث خطيرة تهدد مخزون ليبيا من المياه الجوفية، تتمثّل في تصريف مياه الصرف الصحي ومكبات القمامة والأسمدة والمبيدات الزراعية بالقرب من مصادر هذه المياه، ما أدى إلى تسرّب بعض ما فيها إلى هذه المياه الجوفية غير المتجددة، خاصة الموجودة في الجنوب الليبي، قائلاً: "للأسف تسرّب نفط بعض الآبار إلى خزانات مياه جوفية في تلك المناطق".

ويتفق لطفي مادي، الخبير الليبي في إدارة الموارد المائية، مع الباروني في أن التلوث خطر كبير يهدد المياه الليبية المتركزة في خمس مناطق مائية تتغذى من ست خزانات جوفية، مثل ما أثير عن تلوث منطقة جالو عند البئر 59، عبر صور جوية تظهر بحيرة من النفط الذي يلوث المياه الجوفية القابعة تحته بـ9 أمتار فقط، "النهر الصناعي". ويلفت مادي إلى أن كميات كبيرة سُحبت من المياه الجوفية نتيجة التوسّع العمراني وزيادة عدد السكان، قائلاً: "هناك مليار قدم مكعب من المياه عجزاً سنوياً يواجه ليبيا".

الأحواض المائية

يؤكد مادي أن ليبيا لديها أحواضاً مائية يمكن الاستفادة منها على المدى القريب، مثل حوض غدامس الذي تشارك فيه ليبيا كلاً من الجزائر وتونس. ويقول الخبير مادي: "توجد دراسات للاستفادة من الحوض، بالإضافة إلى الخزان النوبي الرملي، الذي تشترك فيه ليبيا مع دول مصر والسودان وتشاد، وتقدّر حصة ليبيا منه في السنة بمليار قدم مكعب".
ويرى مادي أن فكرة استيراد المياه من الخارج مكلفة مالياً، بالإضافة إلى عدم وجود بنية تحتية في ليبيا تصلح لاستقبال المياه، وهو ما جعل لتر الماء في ليبيا أغلى من البنزين، وربما يزيد أكثر مستقبلاً في حال استمر هدر المياه، وتراجع المخزون الليبي الجوفي على حد قوله.

ونبّه إلى أن شبكة الصرف الصحي في ليبيا متهالكة في بعض الأماكن وتتسرّب منها مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية، بسبب طبيعة التكوينات الجيولوجية ذات السطح الرملي، الذي لا توجد فيه صخور تمنع تسرّب هذه المياه واختلاطها بالمياه العذبة. وكشف مادي أن مياه الصرف الصحي دخلت إلى المياه الجوفية في المنطقة ما بين مصراتة إلى صبراتة بطول 250 كيلومتراً على ساحل البحر المتوسط، قائلاً: "الملوحة هي الأخرى دخلت إلى المياه في هذه المناطق وسببت أمراضاً خطيرة للسكان".

وأشار مادي إلى أن عدداً من الليبيين أصبحوا يعتمدون على آبار صغيرة في مزارعهم ومنازلهم، ويعتنون بها، بسبب تذبذب مستوى الخدمة وانقطاع المياه وتلوثها بشكل كبير بسبب الفوضى التي ضربت البلاد بعد أحداث ثورة 17 فبراير.

كل هذه الأزمات السابقة، التي أدت إلى معاناة عدد كبير من الليبيين، جلبت سعادة لخالد العلي، بائع المياه، الذي زادت أرباحه هو ورفاقه، لدرجة أنه بات يخشى انتهاء الأزمة التي يرى أنها "لن تتوقف في المدى المنظور، لغياب الدولة في ليبيا".

-----
اقرأ أيضا:
الأمن المائي العربي [3/6].. سدّ النّهضة يهدّد مستقبل مصر
الزراعة تهدد السعودية بالجفاف بعد 30 عاماً
الأمن المائي العربي[1/ 6]..إيران وداعش يدمران مياه العراق