غزة تتدفأ على الحطب

08 يناير 2016
الحصار فرض طرق حياة بديلة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لا يحتاج زائرمخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، شمال قطاع غزة، إلى مرشد ليتعرف على عنوان ورشة الفلسطيني كمال عبد العال (53 عاماً) المخصصة لبيع وإنتاج الحطب، فانبعاثات موقد النار المشتعل على مدار الساعة أمام باب الورشة، كفيلة بإخبار الزائر عن العنوان.
وفي داخل الورشة التجارية، تصطف أغصان الأشجار الجافة وقطع الحطب بعضها فوق بعض بطريقة هندسية تلفت الأنظار، فيما يعمل بعض الشباب على تعبئة الحطب في أكياس سوداء مختلفة الأحجام استعدادا لبيعها للمواطنين بأسعار تتناسب مع ظروفهم المعيشية.
وشهد قطاع غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي عليه منتصف عام 2007، زيادة ملحوظة في معدلات الإقبال على شراء الحطب، نظرا لاعتماد عدد من العائلات الغزية عليه في تدفئة منازلهم خلال فصل الشتاء بدلا من المدافئ الكهربائية، في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
ويعاني سكان غزة منذ نحو تسع سنوات من أزمة خانقة في الكهرباء بعدما دمرت الطائرات الإسرائيلية محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، صيف عام 2006، قبل أن تستهدفها مجددا في الحرب الأخيرة 2014، ورغم ذلك عادت المحطة للعمل جزئيا وسط أزمات متعددة تؤثر على جدول التوزيع اليومي.
وقال عبد العال لـ"العربي الجديد" إن معدل الإقبال على شراء الحطب ارتفع في السنوات الأخيرة 40% مقارنة بالسنوات التي سبقت فرض الحصار، مبينا أن مستوى البيع يتضاعف خلال الأزمات الحياتية التي تعصف بغزة بين الحين والآخر، وتحديدا مشكلة نقص مشتقات الوقود وانقطاع الكهرباء.
وأوضح التاجر كمال، الذي يعمل في مهنة إنتاج وبيع الحطب منذ أربعة عقود، أن أفضل أنواع الحطب المستخدم في التدفئة هو المستخلص من أشجار الحمضيات وتحديدا شجر الليمون، نظراً لطول فترة احتراقه وسرعة اشتعاله وقوة وهجه، بجانب أشجار الزيتون والكينا.
وبين عبد العال أنّ الطن الواحد من حطب أشجار الليمون يباع بنحو 330 دولارا، بينما يباع الكيلو غرام الواحد من باقي أصناف الأشجار بنحو نصف دولار، لافتا إلى أن قطاع غزة يعتمد على الحطب المحلي في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي تصدير أو استيراد الحطب من الخارج.
وتتراوح حاجيات غزة من الكهرباء، ما بين 480 إلى 500 ميغاوات، لكن المتوفر قرابة 222 ميغاوات في أحسن الأحوال، وتأتي من ثلاثة مصادر، هي: محطة غزة الرئيسية 80 ميغاوات، وخطوط كهرباء آتية من الاحتلال بمقدار 120 ميغاوات، وأخرى مصرية بمقدار 22 ميغاوات.
وفي منزل المواطن عبد الرحمن الدرة تكاد تكون المدفأة الحديثة التي تعمل على الكهرباء أو الغاز، من ضمن ديكور البيت الثابت في مكانه، الأمر الذي جعل من مواقد الحطب والفحم الوسيلة الأمثل لتدفئة أفراد عائلة الدرة.
وأوضح الدرة لـ"العربي الجديد"، أنه من الصعب إشعال الحطب داخل المنزل خلال فترات البرد القارس، خشية من المخاطر الصحية المترتبة على ذلك، لذلك يضطر إلى إشعال موقد النار عند باب العمارة التي يسكن فيها، وعندما يتحول الحطب إلى جمر ينقل الموقد إلى شقته.
وأشار إلى أنه اعتاد منذ بضع سنوات على شراء كميات من الحطب الجاف فور بدء موسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، مبينا أن العديد من العائلات لا تتحمل تكاليف شراء الحطب من المحال التجارية المتخصصة، بسبب صعوبة أوضاعها الاقتصادية، لذلك تلجأ إلى الحصول عليه من الأراضي الزراعية.
وبجانب ذلك، تعد مهنة إنتاج وبيع الحطب مصدر رزق موسمي لبعض العاطلين من العمل، كحال البائع فهد ثابت (33 عاما)، الذي أشار إلى أن العاملين في بيع الحطب يواجهون عدة تحديات أبرزها تراجع حجم المساحات الخضراء التي يستخلص منها الحطب.
وذكر ثابت لـ "العربي الجديد" أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة خلال السنوات الماضية، تسببت بتجريف وقتل آلاف الأشجار المعمرة من مختلف الأصناف، والتي كانت تعد المصدر الأساسي في إنتاج الحطب محليا، بعد منع استيراده من الخارج.
وبين أن الإنتاج المحلي من الحطب قادر على تلبية احتياجات السوق، ولكن العجز المؤقت يطرأ خلال فترة المنخفضات الجوية العميقة وكذلك خلال الأزمات الحياتية التي تنشب بين الحين والآخر كمشكلة نقص غاز الطهو، مشيرا إلى أن أسعار الحطب تبقى ثابتة طوال العام.
ويحتاج القطاع في الأيام العادية إلى نحو 350 طنا يوميا من الغاز، ولكن الكمية ترتفع خلال فصل الشتاء لتشغيل المواطنين المدافئ وكذلك زيادة استهلاك أصحاب مزارع الدجاج غاز التدفئة، في المقابل تبلغ القدرة الاستيعابية القصوى لمعبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي، قرابة 250 طناً يومياً.
المساهمون