"إل كامينو"... ما الذي حصل لجيسي بينكمان؟

17 أكتوبر 2019
لا يخاطِر الفيلم بأي تحوّل خارج منظورنا عنه (نتفليكس)
+ الخط -
غالبية الطروحات التنظيرية المتعلّقة بالمقارنة بين التلفزيون والسينما، تربط كلّ شيء، دائمًا، بـ"الزمن"، كأبرز فرق فني بين الوسيطين. في السينما، يتعلّق الأمر بالتكثيف والشدّ والحِدّة في السرد، لأنّ متوسط الحكي يكون ساعتين اثنتين من الصُوَر المتحرّكة، بينما الزمن في الحلقات التلفزيونية أكثر سيولة، إذْ تبلغ مدّته 10 ساعات (كمتوسط كلّ موسم)، يُنتظر منها التبحّر أكثر في اللحظات والأوقات العادية، ولا يتوقّع المُشاهد أن يرى أحداثًا فارقة في كلّ مشهد، بقدر ما يكون المنطق والمتانة السلاح الأهمّ، تمهيدًا لانقلابات ولحظات كبرى.

هذا مدخل مهمّ لتناول El Camino: A Breaking Bad Movie، لفينس غيلّيغان (إنتاج المنصّة الأميركية نتفليكس) الذي يبدأ من حيث انتهى المسلسل الشهير Breaking Bad (2008 -2013)، والذي صنع فرقًا ملحوظًا في تاريخ التلفزيون الأميركي، كأحد أكثر المسلسلات شعبية وتقديرًا.
بعد سبعة أعوام على نهاية أحداثه، يُكمِل غيلّيغان (صانع المسلسل وكاتب الفيلم ومخرجه) من آخر مشهد في المسلسل: هروب جيسي بينكمان (آرون بول) من العصابة التي احتجزته أشهرا في قفص حديدي، لـ"يطبخ" لهم مخدّر "كريستال ميث". هو الآن يسعى إلى أنْ يبدأ حياة جديدة تمامًا، بعيدًا عن كلّ الألم الذي عاناه، والخسارة التي تجرّعها. وعليه أنْ يهرب من الشرطة، التي تبحث عنه، كمتهمٍ رئيسي في أكبر قضية مخدّرات شهدها البلد.

الصفة الأبرز والأدقّ للفيلم تكمن في أنّه أقرب إلى حلقتين متوسطتي المستوى من المسلسل نفسه (أو حلقة واحدة طويلة)، بما يحمله هذا من إيجابيات وسلبيات في آنٍ واحد. إيجابيًا، العمل يحتفظ بقوّة منطق الحدث ومتانته، كعادة غيلّيغان، الذي يُحدّد منذ مشهد الافتتاح ما سيدور عنه، إذْ يقترح مايك (جوناثان بانكس)، في "فلاش باك" على جيسي الذهاب إلى "ألاسكا"، إذا أراد بداية جديدة لحياته، قبل الانتقال إلى الزمن الفعلي للأحداث (وهروب جيسي).
بشكل واضح تمامًا، يتناول الفيلم تلك البداية الجديدة، ولا يحيد عن ذلك في أيّة لحظة، ولا ينشغل بخطوط درامية فرعية، ولا يستسلم لإغواءات درامية كثيرة، متعلّقة بمصائر الشخصيات الأخرى من المسلسل، كـ سكايلر وعائلة والتر عامّة. فهو يدور في أيامٍ معدودة، ويحكي فقط عن جيسي، ورحلة هروبه من هذا العالم الموحش، ويطعّم ذلك بأكثر من "فلاش باك" ذكيّ وجميل (يؤسّسها أيضًا منذ مشهد الافتتاح)، له مع تود أو مايك أو جيني، أو والتر وايت نفسه، ترتبط كلّها (بشكل مباشر أكثر من اللازم أحيانًا) بسؤال: "ما الذي سيفعله في حياته، بعد أن ينتهي هذا كلّه؟".
يبقى الفيلم أمينًا للغاية لعالم المسلسل، محافظًا على "المنطق" الذي حَكم الأحداث في المواسم كلّها، كما يمتدّ الآن إلى ساعتي العمل السينمائي، وطبعًا يستغلّ (بذكاء أيضًا) العوامل كلّها للنوستالجيا المضمونة، بمجرّد رؤية آرون بول مرّة أخرى في شخصية جيسي، أو العالم الصحراوي لـ ألباكركي، أو ذكرياته مع شخصيات أيقونية لم تعد موجودة في الأحداث الحاضرة. 
في المقابل، يفتقد الفيلمُ الدهشةَ، إذْ يُثار شعور بمشاهدة حلقتين في منتصف الموسم. هناك توتر ولحظات مشدودة، لكنّ كلّ شيء يسير بحسب المتوقّع والمنطقيّ بالنسبة إلى المتفرج، الذي يتابع جيسي في منزل تود، باحثًا عن أمواله، فندرك أن الأمور لن تسير على ما يرام. وعندما يأتي شرطيّان إلى المنزل، ندرك أنّه سيخرج حتمًا من هذا الموقف. وحين يذهب إلى لُوْ طالبًا مساعدته في بداية جديدة، نعرف أن الأمور لن تسير على ما يرام، لأنّ الفيلم لا يزال في منتصف أحداثه، وأنّه سيعود بالتأكيد للانتقام. نبقى منجذبين إلى ما يحدث، لأننا نهتم بمصير جيسي، ولأنّ الفيلم يحترم ذكرياتنا عن المسلسل، من دون أنْ يفاجئنا في أية لحظة من لحظاته، ولا يخاطِر بأي تحوّل خارج إطار منظورنا عنه. 
هذا يصلح للتلفزيون، كحلقتين هما جزء من كُل. لكن، حين تكون الساعتان فيلمًا سينمائيًا، وهذا هو "كلّ شيء"، فإنّنا نشعر بإحباط إزاء التجربة كلّها، التي لا يمكن وصفها بالسوء، بل بالعاديّة، فهذه الصفة أدقّ لها.
المساهمون