قدّيس "بايلوفو" البلغارية... المحبوب أكثر من رجال الدين

16 اغسطس 2014
دوبري "الجدّ الطيب" (العربي الجديد)
+ الخط -
من القصص الطريفة والغريبة التي سمعتها في صوفيا، قصّة المتوسّل العجوز "ديادو دوبري" أو "الجدّ الطيّب". الرجل الذي قضى جلّ حياته يجمع أموال الأغنياء ثم يتبرّع بها إلى الكنائس ودور الأيتام والجمعيات الخيرية. إذ تنتشر صوره وقصّته على مواقع إلكترونية عدّة، بلغات أجنبية عديدة.

اسمه الكامل دوبري ديمتروف دوبرف، ويلقبّونه بـ"قديس قرية بايلوفو". القرية حيث وُلد قبل 100 عام، في 20 يوليو/تموز 1914، في مسقط رأس الكاتب البلغاري الساخر، إلين بيلين، قرب العاصمة صوفيا.

بالكاد يذكر الجدّ دوبري شيئاً، عن سنوات طفولته وشبابه، لكن من المعروف أنّ أباه قضى نحبه في الحرب العالمية الأولى، وتولّت أمه رعاية أولادها بمفردها. وإبّان الحرب العالمية الثانية أدّى انفجار قذيفة قربه إلى أن يفقد سمعه تقريباً. ثم تزوّج ورُزق أربعة أطفال، توفّي منهم اثنان. وبقيت ابنتاه على قيد الحياة. وبعد حين أصبح زهده الواضح مثار فضول أبناء قريته.

في كلّ يوم أخذ الجدّ دوبري يقطع المسافة بين قريته والعاصمة سيراً على قدميه. ولم يغيّر من عادته إلاّ حين داهمته الشيخوخة، وتعبت قدماه، فبات يستخدم المواصلات العامة. السائقون المحلّيون يعرفونه جيّداً، حتّى أنّهم لا يأخذون منه ثمن تذكرة الركوب. فقد باتوا يدركون أنّ مهمة العجوز إنسانية ومفيدة للجميع.

سنوات متتالية كان المتبرّع الأوّل لعدد من الكنائس الأورثوذكسية، منها كاثدرائية القدّيس "ألكسندر نفسكي" في صوفيا، التي تبرّع لها بـ25 ألف ليفا (18 ألف دولار تقريباً). وهي باتت أكبر هبة في تاريخ أكبر الكنائس البلغارية. حينها أضحى القدّيس العجوز حديث البلغار كلّهم، وتبيّن لاحقا أنّه أوصى بأملاكه كلّها إلى الكنائس في عام 2000. فوراً ظهر الحسّاد، ممّن رغبوا في تلويث سمعته، معلنين أنّه تخلّى عن عائلته حتّى يتسكّع في الشوارع. ولم يُخفِ الجدّ خيبته من هذه الأقاويل، لكنّ سمعه الخفيف وَقَاهُ، إلى حدّ كبير، من معرفة المزيد من الإشاعات.

لم يستطع أحد من الناس أن يصفه بالشّحاذ، لأنّ القدّيس الطيب لم يحتفظ بقرش واحد لنفسه، وكلّ ما جمعه ذهب هبات إلى المحتاجين. وهو يعيش اليوم في غرفة صغيرة، ينام على الأرض، ترعى شؤونه واحدة من بناته، يأكل القليل، ومن خلال نافذته تلوح قطعة الخبز وقرص البندورة، وجبته الوحيدة ليومه الكامل.

بغضّ النظر عن أصله ومؤهّلاته، فإنّ الجدّ دوبري، بسلوكه الخيّر، بات يشكل، بالنسبة إلى كثير من أهالي صوفيا، رمزاً روحيّاً ومعنويّاً. ابتسامته الوادعة، كلامه الطيّب، تواضعه حين يقبّل يد طفل عابر، ويضع في حصّالته بعض النقود، تؤثّر في نفوس البلغاريين، أكثر بكثير ممّا تفعله خطب رجال الدين.

دلالات
المساهمون