سقوط الدراما اللبنانية المشتركة

14 يونيو 2016
أسرة مسلسل ياريت (العربي الجديد)
+ الخط -
يكشف الأسبوع الثاني من موسم دراما رمضان 2016، عن هوة كبيرة، تعانيها معظم المسلسلات التي تدخل تحت مُسمى الدراما المشتركة، والتي بدأت، تحديداً العام 2010 مع مسلسل "روبي" المقتبس عن مسلسل مكسيكي، نقلتها إلى العربية، كلوديا مرشليان، وتولى المنتج السوري الراحل، أديب خير، إنتاجها وتسويقها، بطريقة مبتكرة جداً، فاختار لها شاشة MBC آنذاك، حيث حظيت بدعم ترويجي كبير، واستطاع خير من ورائها الإبحار بسفينة هذا النوع من الأعمال إلى العالم العربي. 

لكن تجربة خير، التي تمددت بسهولة إلى زملائه، بعد وقت قليل على إنتاج وعرض "روبي" استطاعت اليوم أن تحكم سوق الإنتاج الدرامي، ولم تعد تقتصر على اللحاق بمواسم رمضان، فدخلت البازار العربي، وانتشرت على باقي أيام السنة، معتمدة على استقطاب أكبر عدد من الممثلين في مسلسل واحد، فكان مسلسل "الأخوة" العام 2014 خارج الخارطة الرمضانية، بعد مجموعة أخرى من الإنتاجات، منها "لعبة الموت" و "لـو" إنتاج العام 2013.

وهذا العام دخل المنتجون، على الخط نفسه، في ثلاثة أعمال تُعرض حالياً، "نص يوم" لسامر برقاوي وباسم سلكا، "جريمة شغف" لوليد ناصيف ونور شيشكلي، و"ياريت" لكلوديا مرشليان وفيليب أسمر. من الواضح، أن المنتج يسعى من خلال هذه الأعمال إلى المنافسة الحقيقية مع "درامات" أخرى في سورية ومصر، لكن، المنتج نفسه يقع في فخ النصوص المخادعة، والتي تفتقد بالتالي للمبررات المقنعة لاجتماع كل هؤلاء الممثلين على اختلاف لهجاتهم في عمل واحد. نقطة أساسية، لعل اكتشافها أو تبريرها من قبل المُنتجين أولاً، يضعهم على الطريق السليم، لما يُعرف بصناعة وإنتاج المسلسلات، ويأتي بعدها التسويق المحترف، ثانياً، مكملاً لنوعية العمل.

دون شك، لعب لبنان، بعد فترة التسعينيات دوراً إعلامياً كبيراً في سوق الإنتاج والإعلام العربي، وكسب بالتالي بعداً استراتيجياً أدى إلى إنقاص منافسيه. فإضافة إلى العنصر البشري، كان لتقنيات البرامج والمسلسلات التي يشارك فيها لبنانيون نكهة عصرية، حملت رؤى جديدة لواقع كرس النجاح في المنظومة الفضائية للتلفزيون.

هكذا، أصبح دور المنتج اليوم مسانداً فقط لبعض الأسماء في الدراما اللبنانية والعربية، وغاب عن باله، البحث في نوعية الأعمال التي يُنتجها، لغياب الخبرة أولاً، والاتجاه إلى كسب أضواء الشهرة الإعلامية التي يتمتع بها أبطال هذه المسلسلات، ثانياً، وبالتالي استثمار حضورهم وشعبيتهم في مسلسل واحد.


نص يوم 
يحمل مسلسل "نص يوم" بطولة نادين نجيم وتيم حسن، مزيداً من التفاف المنتج صادق الصبّاح على الأعمال الدرامية المقتبسة، دون مبرر أيضاً. صورة نمطية اعتاد عليها المنتج المخضرم، بعد نجاح أعمال كانت من إنتاجه في السنوات الأخيرة، "لـو وتشيللو" فتحا الباب هذا العام لقصة مُستهلكة جداً، يحاول من خلالها الصباح استثمار نجاح وتقنية الممثلة نادين نسيب نجيم وتوظيفها لمصلحته أولاً. وكذلك الأمر بالنسبة للمثل السوري تيم حسن، بعدما لمس نجاحاً عربياً كبيراً في "تشيللو" العام الماضي. ورغم النجاح المصري الذي حققه تيم حسن في "الملك فاروق" إلاّ أن التناغم العاطفي في مثل هذا النوع من المسلسلات، ومع نادين نجيم تحديداً زاده شهرة وتقرباً من الجمهور، الذي لا تهمه نوعية مفقودة في مثل الأعمال تحديداً إن لجهة النصّ، أو لأسس وقواعد، البنية الدرامية، بعيداً عن العواطف وتفاعل الناس مع قصص رومانسية، مضى عليها الزمن، ودخلت اليوم في عصر العالم الافتراضي والاستهلاك. 

قصة يارا حداد، في "نص يوم" منقوصة، لا وسائل للإقناع لكل الأحداث، مشاهد غير مبررة تجمع بين يارا حداد، بميار قلعجي، شاب وسيم وصل من الخارج بعد موت والده، لاهثاً وراء طيبته، فيقع بسرعة البرق بقصة حب عاصفة، تظهر بسرعة مآرب يارا، بمال ميار وسرقة زوجها، بعد أن انتحلت صفة البطلة المفترضة. أحداث مجتزأة من فيلم original sin الذي لعبت بطولته أنجلينا جولي وأنطونيو بانديراس عام 2001، ومعالجة لا ترقى إلى مستوى الاقتباس المفترض مراعاته في مثل هذه الأعمال، صورة نمطية عن رجل الأعمال والعمارات والشقق الفارهة، هي أقرب إلى برامج تعنى بالديكور. ولا تقدم يذكر في تحريك الممثلين. بعد "تشيللو" الرؤية نفسها، والمساحة ضيقة، في الخروج ولو بأهداف يسيرة من وراء المسلسل. 

ياريت 
الكارثة الدرامية، تجند الممثل السوري، مكسيم خليل، ليقف أمام زميله قيس الشيخ نجيب واللبنانية، ماغي بوغصن، في قصة حب، تتخذ من "المساكنة" بين رجل وامرأة مطلقة، بنية أساسية لأحداث الصدفة الغريبة، أحداث "ياريت" تهبط على المشاهد وكأنها من الفضاء. حتى أن الكاتبة، كلوديا مرشليان، استقت من الأزمة السورية وقضية اللجوء خطاً مصطنعاً، لمحاكاة الواقع، لكن، الصيغة، والطرح المفترض، خرج مشوهاً، بعيداً عن مأساة المهجرين والنزوح، التي يعانيها السوريون في لبنان والعالم، فضلاً عن الأخطاء التقنية والإخراجية التي ظهرت بوضوح في الحلقات الأولى، جعلت الفكرة مجزأة جداً، مربوطة بتضامن المشاهد حكماً مع قصة حب فاشلة من البداية تدور بين امرأة ورجلين. 

جريمة شغف
الكاتبة السورية، نور شيشكلي لم تهرب كثيراً عن واقع وأزمة الكتّاب اللبنانيين. في "جريمة شغف" مجدداً كأننا أمام مشهد فيلم خرافي لزير نساء، اسمه "أوس"، يلعب دوره، قصي خولي، يتسلل ليلاً إلى منزل عشيقته التي يحضر زوجها باكراً، فيهرب خولي من الشرفة ويقفز إلى الطابق الأسفل، الذي يشهد مشادة كلامية بين زوجين تنتهي بانتحار الزوج، أحداث لا ترتبط بالواقع بصلة، وتحمل سلسلة من التساؤلات، والأدهى هو هروب "أوس" إلى القاهرة متلبساً بأحداث الليلة المشؤومة. وكأنَّه القاتل الوحيد أو المتهم، دون "مبرر" ولو استباقيا، على خلفية الأسباب التي توصله لحالة من اليأس تستمر ست حلقات، ومقاطعته العالم، فضلاً عن قانون الصدف التي تحيط به في القاهرة، وتعلق شقيقته، أمل عرفة، به، ومحاولاتها الضعيفة جداً في البحث عن أسباب فرار شقيقها إلى الخارج.

ثلاثُ صُورٍ، أو مسلسلات، تمت لخيال الكاتب أكثر منه لعالم الدراما، إلاّ بتصنيفها مسلسلات قائمة على حسن التصوير و"الكادرات" الصحيحة وبعيدة كل البعد عن المضمون.



دلالات
المساهمون