الصحراء البيضاء بالفرافرة

10 مارس 2017
محمية طبيعية تبلغ مساحتها حوالى 3000 كم مربع (Getty)
+ الخط -
حين تفكر في زيارة الصحراء، تتوقع بالطبع لون الرمال الأصفر الذي يمتد بطول النظر. لكن، هل يمكن أن تتخيل لونها أبيض كالطباشير؟ هذا بالضبط، ماستجده عند زيارة الصحراء البيضاء في واحة الفرافرة بالصحراء الغربية المصرية بالقرب من الحدود الليبية، والتي تمثل ظاهرة فريدة من بين صحارى العالم.

تقع الصحراء البيضاء على بعد 45 كم شمال الفرافرة وحوالى 500 كم من القاهرة، وهي محميّة طبيعيّة تبلغ مساحتها حوالى 3000 كم مربع، وفيها العديد من التشكيلات الصخرية الطباشيرية، التي يشبّهها أهل المنطقة بالكائنات أو الأشكال الفضائية. تعد المنطقة من أعجب الأماكن وأقدمها في مصر، وهي مركز جذب رئيسي للسياحة الجغرافية، التي يعشقها الكثيرون.
والمنطقة كلها معزولة وفيها العديد من الينابيع الطبيعية الساخنة، التي يعتقد البدو الذين يستوطنون الصحراء الغربية أن لها قدرات استشفائية وروحية كبيرة، كما أن الرمال التي تمتلئ بالأملاح المعدنية مشهورة بقدراتها على شفاء الكثير من أمراض العظام والجلد.
يطلِق البدو أسماء مختلفة على التشكيلات الصخرية، التي نحتتها العواصف الرملية في المنطقة على أشكال أقرب إلى عيش الغراب ومخاريط الآيس كريم والخيام وبعض أشكال الحشرات وتكوينات فنيَّة لا حصر لها. وقد كانت الصحراء البيضاء في الماضي تقع تحت سطح البحر، لذلك توجد بها طبقات رسوبية تشكلت من بقايا الحيوانات البحرية، التي تكلّست وتحوّلت إلى صخورٍ بعد جفاف المنطقة من عهد سحيق.

كما كانت الصحراء البيضاء والمنطقة المحيطة بها جزءاً من الغابات الأفريقيّة عندما كانت منطقة مطيرة منذ آلاف السنين. وكانت تجوبها قطعان الفيلة والزرافات والغزلان، وغيرها من حيوانات السافانا والغابات الأفريقية. وكانت بها بحيرات مليئة بالأسماك، التي استغلّها سكان المنطقة في مرحلة ما قبل التاريخ، والذين عاشوا على الصيد الوفير في تلك المنطقة الخضراء سابقاً.
لكن، مع تحرك حزام المطر نحو الشمال ودخول المنطقة في مناخ الجفاف، تصحَّرت الأرض وهجرتها الحيوانات والسكان. ولا تزال بقايا الحيوانات التي هلكت بفعل الزمن والحرارة موجودة داخل التشكيلات الصخرية، وهي تظهر في بعض تموجاتها للعين الخبيرة المدربة. وكانت منطقة الفرافرة في العصر الفرعوني والعصر الروماني ضمن منطقة الواحات الداخلة والخارجة، كم أنها مثلت سلة الحبوب للإمبراطورية الرومانية، وكانت تنتج القمح بوفرة حتى سميت أرض الغلال، وما زالت بقايا الآثار الرومانية بالمنطقة. كما كانت ملاذاً أيضاً للمسيحيين الفارين بدينهم من الاضطهاد الروماني.
يختار الكثير من المخيمين والزوار للمنطقة ورحالة السفاري، أن يبيتوا في الصحراء البيضاء ليشاهدوا الغروب والشروق ومنظر التكوينات الصخرية التي تلمع تحت الضوء في الحالتين. ومن أفضل أماكن التخييم هناك منطقة حقل الفطر الصخري العملاق، وبجوار شجرة الآكاسيا الوحيدة بالمنطقة، وأيضاً منطقة تعرف باسم البيت الأبيض، وهي حلقة مغلقة من الأحجار محاطة بالصخور الطباشيرية اللامعة، وتقع قرب مدخل كهف يخترق الصخر إلى داخل الأرض، وتروى الأساطير عنه أنه كان ملاذاً لوحوش وكائنات خرافية تحرس كنوز الصحراء من أيدي العابثين.

في الليل، ومع اقتراب الفجر، تتحرَّك الثعالب الصحراوية المراوغة لتجهز على بقايا طعام المخيمين، وما تبقى من عظام وجلود المشويات التي يشتهر بها البدو ويعشقها الزائرون والسائحون. ولايشعر أحدٌ أبداً بتلك الثعالب سوى البدو الذين تعودا أن يتركوها تنظف لهم المكان، في وسيلة للتعايش مع الطبيعة المحيطة بهم.

المساهمون