حمدي أحمد من محجوب عبد الدايم إلى القاضي حلاوة

08 يناير 2016
حمدي أحمد في فيلم "القاهرة 30" (يوتيوب)
+ الخط -


"أيوه. كل شيء وتمنه. كل شيء بالفلوس. الحب. المركز. الشرف. اديني فلوس أشتريلك الدنيا بحالها. ادفع يدفع لك العالم. إمضاء محجوب عبد الدايم". كان هذا ملخص الفيلم السينمائي الشهير "القاهرة 30" على لسان الفنان المصري حمدي أحمد، والذي رحل عن دنيانا فجر اليوم الجمعة.

برع حمدي أحمد في دوره إلى درجة جعلته بطل الفيلم الذي عرض سنة 1966، دون منازع، رغم أن قائمة الأبطال تضم سعاد حسني وأحمد مظهر وتوفيق الدقن وأحمد توفيق، ولا شك أن إيمان مخرج الفيلم الراحل صلاح أبو سيف بموهبته كان داعما قويا جعله ينافس بقية الأبطال، ويقدم أحد أبرز الأدوار المحفوظة في تاريخ السينما المصرية.

في الفيلم المعبر عن كل عصور الانحدار، وليس فقط ثلاثينيات القرن الماضي في القاهرة، باع محجوب عبد الدايم كل قيمه ومبادئه مقابل وظيفة، وافق على أن يكون الواجهة التي يتخفى بها المسؤول الثري الذي عينه ليتمكن من ممارسة الحب الحرام مع عشيقته، التي باتت زوجة عبد الدايم نظريا. لكن دعك من التفاصيل، فالقصة بالأساس ليست في قراره بقبول تلك المهمة الخسيسة، وإنما في تخليه ببساطة عن كل ما كان يؤمن به، وكل ما تربى عليه، وكل قيم الريف التي جاء بها إلى المدينة.

ظل محجوب عبد الدايم طوال الفيلم يحتقر نفسه، ويحاول ترويضها لتقبل بالأمر الواقع الذي وافق على تقبله طمعا في مستقبل أفضل، كان يكرر في نهاية كل نقاش داخلي حول ما بات فيه لفظته الأثيرة "طزززز".

لكنه لم يتحمل وإن ظل يقاوم حتى النهاية، حتى بعد افتضاح أمره على يد زوجة المسؤول الكبير، لكنه في النهاية وفي فورة التمرد على الوضع الساخر الذي وجد نفسه فيه، يهاجم الجميع قائلا "مش ممكن هيجرالنا حاجة أبدا. احنا عايشين في مجتمع وسخ واللي هيكسب هو الأوسخ. مفيش حد هيشمت في أبدا".



لم يكن حمدي أحمد فنانا غائبا عن مجتمعه، بل كان نموذجا، من نماذج قليلة، من الفنانين المنغمسين في السياسة، إذ شارك في التظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي في مراهقته، وسجن وقتها، كان مشاركا في كل حراك سياسي عرفته البلاد، حتى ‘نه انتخب عضوا في البرلمان عام 1979.

وكان الفنان الراحل معارضا شرسا للنظام طوال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكذلك خلال حكم المجلس العسكري بعد مبارك، ثم خلال حكم محمد مرسي، لكن آخر ما صدر عنه كان ثناء على الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.

وأجاد الراحل تقديم مختلف الأدوار، فكان كوميديا رائعا، وقدم أدوارا تراجيدية مميزة، لكن تميزه الحقيقي كان في الشخصيات المركبة التي تضم تحولات أو انقلابات داخلية متعددة.

في فيلم آخر هو "الأرض" انتاج 1970 وإخراج الراحل يوسف شاهين، قدم حمدي أحمد شخصية شبيهة، فهو "محمد أفندي"، المتعلم الوحيد في القرية، والذي يحتفي به الجميع يوم التحاقه بالجامعة وينسجون حوله الكثير من القصص الخرافية، حتى إن أحد الأبطال (صلاح السعدني) يؤكد أن رئيس الوزراء شخصيا سيقابل الأفندي.



لكن محمد أفندي يخالف محجوب عبد الدايم قليلا، فبعد أن كان مؤمنا بأن الرأسمالي الذي يسيطر على المنطقة التي نشأ فيها يسعى لمصلحة أهلها، ويحاول إقناع الأخرين بذلك، نجده يتصدى لأزمة قريته مع الإقطاعي محمود بك، ويتولى حمل رسالتهم ضد الثري المتكبر الذي يرغب في نزع أراضي الفقراء لشق طريق إلى مسكنه الريفي المترف.
لكنه يتحول مجددا، فيتراجع بدافع مصلحته الشخصية التي باتت مهددة بنفوذ الثري في القاهرة التي يرغب في أن يكون أحد سكانها.

وبعكس توهجه في "القاهرة 30"، تراجع بريق حمدي أحمد في "الأرض" لصالح آخرين، أبرزهم بطل الفيلم محمود المليجي وشقيقه في الفيلم علي الشريف، إضافة إلى عزت العلايلي ونجوى إبراهيم ويحيى شاهين.

لكن توهج حمدي أحمد في تقديم الشخصيات المركبة عاد بقوة في المسلسل التليفزيوني "علي الزيبق" عام 1985، حيث قدم شخصية "القاضي حلاوة"، كنموذج معبر عن منتهى القدرة على نفاق السلطة لتحصيل المصلحة، وتسخير رجال الدين لعلمهم ونفوذهم على العامة لخدمة الحكام.

حلاوة بالأساس محفظ قرآن للأطفال فيما كان يعرف قديما بـ"الكتاب"، لكن ألاعيب السياسة على يد الحاكم العسكري للبلاد "سنقر الكلبي" الذي لا يقبل إلا أن يكون القاضي  تابعا له ضد عامة الشعب، تحول المحفظ المنافق إلى قاضٍ.

يجن جنون حلاوة عندما يسمع خبر تعيينه قاضيا، ويقدم للحاكم كل ما يطلبه ليبقى في المنصب الذي لم يكن يحلم به، فيتحول، كما محفوظ عبد الدايم، إلى أيقونة فنية يستخدمها الناس في الشارع للتعبير عن كل قضاة السلطة، وشيوخ السلطان.

برع حمدي أحمد مجددا في دور القاضي حلاوة، ومثلما حفظ عنه في "القاهرة 30" تعبيرات من عينة "طزززز"، حفظ عنه في "علي الزيبق" وصفه الأثير للحاكم، أي حاكم، "سيدي وسيد الناس"، و"خدام جنابك ومداسك".




اقرأ أيضاً:
وفاة حمدي أحمد... الصعيدي الذي مزج السياسة بالفن
المساهمون