آثار أفغانستان: ضحية الحروب الطويلة والتهميش الحكومي

03 ابريل 2020
بعض تلك المناطق الأثرية على وشك الانهيار (Getty)
+ الخط -
كانت أفغانستان، وما زالت، منطقة مهمة وثرية من الناحية الأثرية والتاريخية، تحديداً الأماكن التي تحافظ على تاريخ هذه البلاد عبر قرون، كما أضحت بعضها معروفة على مستوى المنطقة، مثل إقليم غزنة، عاصمة الغزنويين، وهو من أهم مراكز الأدب والثقافة على مستوى المنطقة بأسرها. لكن حرب أربعة عقود كانت لها أثار كبيرة على هذا التراث، كما فعلت بباقي مناحي الحياة. لم تكن الحرب وحدها مسؤولة، بل تهميش الحكومات المتعاقبة من جهة، وتعامل القبائل من جهة ثانية، علاوة على المصالح والتجاذبات بين دول المنطقة، كل تلك الأسباب وراء دمار المناطق الأثرية في أفغانستان.

من حسن الحظ، بدأت الحكومة الأفغانية، بالتنسيق مع بعض المؤسسات التي تعنى بهذا الجانب، بمراجعة أوضاع المناطق الأثرية، وأضحت تهتم بهذا الجانب من خلال آلية منسقة تهدف إلى الحفاظ على المناطق الأثرية، المتبقية من الحرب، أو إعادة إعمارها إذا أمكن ذلك. وتشير المعطيات الموجودة على الأرض إلى أن جزءاً بسيطاً من العمل قد أنجز بهذا الخصوص، وعلى الحكومة أن تبذل الكثير نظرا لحجم القضية، وما لحق من دمار بالمناطق والأماكن الأثرية.

بهذا الخصوص، يرى سكان الجنوب الأفغاني، والمعنيون بهذا القطاع، أن ما حصل ضئيل، وأن العمل بهذا الخصوص بطيء للغاية، مطالبين الحكومة بالعمل أكثر من أجل الحفاظ على المناطق الأثرية.

بهذا الصدد، يقول الزعيم القبلي في إقليم بكتيا، حزب الله خان، وهو أحد المهتمين بالقضايا الأثرية في إقليم بكتيا، جنوب أفغانستان، إن "المناطق الأثرية لها أهمية كبيرة. ونحن كشعب، فقدنا كل شيء بسبب الحرب، ونحتاج إلى الحفاظ على تلك الآثار التي تحافظ على التاريخ والأدب، ولكن ليس هناك أي برنامج أو خطة من أجل العمل على ذلك مع الأسف".
يلقي حزب الله جزءاً من اللوم على القبائل والحكومات المحلية في الأقاليم الجنوبية، لأنها لم تفعل شيئا بهذا الخصوص، مشيرا إلى أن بإمكانها على الأقل أن ترفع الصوت من أجل إثارة القضية على الأصعدة الحكومية وغير الحكومية من أجل جذب انتباه الحكومة المركزية والمؤسسات الدولية التي تعنى بالقضية.

وبينما تدعي الحكومة المركزية أن العمل من أجل الحفاظ على الأماكن الأثرية قد بدأ وأن هناك إنجازاً، إلا أن الحكومات المحلية أيضاً تلقي اللوم على الحكومة المركزية وتتهمها بالتهميش والتباطؤ. بهذا الشأن، تؤكد الحكومة المحلية في إقليم بكتيا أنها تطلب من الحكومة المركزية مرة تلو الأخرى المساعدة من أجل الحفاظ على الأماكن الأثرية، ولكن هناك تباطؤا. وقال مسؤول إدارة الأدب والثقافة المحلية في الإقليم صلاح الدين سليس، في مؤتمر عقد قبل أيام في الإقليم بعنوان "الحفاظ على الأماكن الأثرية والعقبات الموجودة بهذا الخصوص"، إن الإدارة المحلية سجلت 80 موقعاً أثرياً، وأن الخبراء والمختصين يعملون على تعيينها والوصول إليها مع وضع برامج للحفاظ عليها وإعادة ترميمها، متهما الحكومة المركزية، تحديدا وزارة الثقافة، بالتهميش والتباطؤ في هذا المجال، لافتا إلى أن الإدارة المحلية أثارت القضية مرارا من خلال توجيه رسائل إلى الوزارة وطرح القضية في الاجتماعات مع المسؤولين في الوزارة، ومن خلال الحديث مع الوفود التي تأتي إلى الإقليم، ولكن بلا طائل، فالحكومة لا تحرك ساكنا وتكتفي فقط بالوعود لا أكثر، وهي مجرد حبر على ورق.


أيضا، شدد المسؤول على أن هناك حاجة ماسة لإرسال فريق من الخبراء والمختصين من أجل فحص وتحليل الأماكن الأثرية المسجلة لدى الحكومة المحلية واتخاذ التدابير اللازمة بهذا الخصوص، محذرا من أن بعض تلك المناطق على وشك الانهيار إذا لم يتم الاهتمام بها ولم تتخذ إجراءات لازمة بخصوصها.

تقول الحكومة المحلية في إقليم ننجرهار، شرق أفغانستان، إن في الإقليم قرابة 100 منطقة ومكان أثري، وإنها جميعا بلا استثناء قد دمرت أو تأثرت بشكل كبير جراء الحرب والمواجهات المسلحة، مؤكدة أن من بين 100 منطقة أثرية بدأ العمل على إعادة إعمار ثلاثة منها فقط، ما يشير إلى مدى الإهمال الموجود بهذا الصدد، مشددة على أن الحكومة المركزية لم تألُ جهدا من أجل الحفاظ على تلك الأماكن الأثرية وإعادة إعمارها.

بهذا الخصوص، قال رئيس إدارة الثقافة في الإقليم رحيم الله خوجياني إن هناك 100 منطقة أثرية في مركز مديريات الإقليم، وإن 22 منها مسجلة لدى الحكومة، بينما الحكومة المحلية تعمل على قدم وساق من أجل تسجيل باقي المناطق الأثرية ووضع آلية للحفاظ ما تبقى فيها من آثار، لافتاً إلى أن حرب أربعة عقود على أرض أفغانستان جعلت جميع المناطق الأثرية أثراً بعد عين، متهما الحكومتين المركزيتين الحالية والسابقة باللامبالاة وعدم أخذ القضية على محمل الجد، مضيفا أنهما "لم تحركا ساكنا إزاء الحفاظ على تاريخ وتراث البلاد رغم وجود ميزانية كافية"، على حد قوله.
المساهمون