شارع لندن القديم بإدارة عربيّة

شارع لندن القديم بإدارة عربيّة

18 أكتوبر 2014
شارع "أولد لندن روود" في كينغستون (Getty)
+ الخط -
سكن ملوك الساكسون منطقة كينغستون في العاصمة البريطانية لندن، منذ القرن الخامس الميلادي. إذ كانت مركزاً لتتويج كثير من الملوك الذين يُرجّح أنهم أمضوا أوقاتاً في جنبات هذا الشارع، أو تنزّهوا فيه بسبب كونه جزءاً تاريخياً هامّاً من المنطقة، ويقع على مقربة من سوقها الرئيسي.
يستقبل الشارع زوّاره بقوس حديدي على مدخله، كُتب عليه "old London road"، حيث صناديق هاتف حمراء اللون مرصوفة أحدها إثر الآخر، ويعود تاريخها إلى عام 1924.
وغالباً ما يغفل المارّة عن ملاحظة ذلك الشّارع الأشبه بممر متوار عن الأنظار، لولا اللون الأحمر الذي يلفت الانتباه عند مدخله منذ عام 1988، حينما أعيد تصميمه من قبل النحّات ديفيد ماش. وعلى الرغم من تنوّع الإثنيات التي تقطنه، يشعر العاملون فيه بالألفة، ربّما بسبب التقائهم يومياً في المكان نفسه، مما يفرض عليهم تبادل التحية والسلام.
تتراص المحلاّت العربية والأجنبية على جانبيه، ويقصدها الناس من مختلف المناطق المجاورة والبعيدة، لما تتّصف به من تميّز يصعب توفّره في مكان آخر. اللافت أخيراً تسليم إدارة الشارع إلى رجل عربي، وازدياد فتح المحلاّت العربية فيه، إذ افتتح السنة الفائتة صالون تجميل لبناني تابع لصالون داني، وفي العام الجاري افتتح مطعم "إكلي" للمأكولات العربية.
لا ينقص الشارع سوى مقاهي الشيشة، كي يصير كامل الأوصاف.

ضمن حيّز صغير، يجمع شارع "old London road" ما لا يخطر على البال، من بيوت السّكن إلى المحلات والمطاعم ودكاكين الخياطة، كما يستقبل الشارع زوّاراً من مختلف الجنسيّات داخل مساحة لا تتجاوز أمتاراً معدودة. ربّما تكمن فرادته بخليط سكانه ومرتاديه، إذ يجذب عشرات المهاجرين العرب لخياطة ملابسهم أو لتصفيف الشعر في صالون "DANNY S"، الذي يزدحم يوميّاً بالنّساء.

آثار قديمة ومحلات مفروشات
يلفت انتباه الزوّار، خصوصاً عشّاق جمع التحف، محلات بيع الآثار التي تعود إلى العهد الفيكتوري، كما تستقطب محلاّت الخياطة التي يديرها عراقيون، زبائن من جميع الجنسيات، نظراً لحرفية أصحابها. ويحاذي محلات الخياطين متجر الدفن وأدواته، وليس هذا بالأمر الغريب. أمّا محلاّت المفروشات، فلها النصيب الأكبر وتتنوّع بين مستعملة وجديدة، إضافة إلى المكتبة الخيرية حيث الكتب المستعملة ومحل لأقراص السي دي يعود تاريخه إلى عقدَي الستينيات والسبعينيات. وعلى الرغم من صغر الشارع، إلاّ أنّ مطاعم إيطالية وتايلندية وعربية، ومقاه يونانية وإنكليزية تنتشر على طرفيه، تحاذيها محلاّت الحلاقة الرجالية والنسائية وصالونات التجميل والتدليك، ناهيك عن محل خاص بالوشم الذي كثر زبائنه في السنوات الأخيرة.
تعلو الموسيقى الصاخبة في المساء مرتفعة من داخل البارات، المكان التقليدي الذي يجتمع فيه الإنجليز للترفيه عن أنفسهم.

فروع عدّة وعلاقات طيبة
توضح ليلى شمسين، مديرة محل "فاست ستيتش" لـ "العربي الجديد"، لدى سؤالها عن جنسية الزبائن وتاريخ المحل، أنّ غالبيتهم إنجليز، يليهم آسيويون من الهند وباكستان إضافة إلى زبائن عرب، وجميعم يقصدون المحلّ بسبب الجودة العالية التي يوفرّها. تضيف شمسين أنّ للمحل فروعاً في مناطق عدّة في العاصمة البريطانية لندن، أحدها يقع في محطّة قطار منطقة كينجستون القريبة، أُنشئ منذ عام 1993، أمّا المحلّ حيث اجتمعنا بها في "شارع لندن القديم" فافتتح منذ ثمانية أعوام تقريباً. يواجه الموظّفون أحياناً حالات صعبة مع الزبائن، غير أنّها نادرة جداً، إذ يتمتّعون بعلاقات طيّبة مع غالبيتهم. غير أنّه حدث في إحدى المرّات أن تمنّع أحدهم عن دفع الفاتورة كاملة، متذّرعاً بحجج واهية، ممّا اضطر الموظّف إلى التّهديد بالاتصال بالشرطة، حينها تراجع الزبون عن موقفه ودفع المبلغ كاملاً.

ثياب ضيقة مضحكة
أمّا المواقف المضحكة فكثيرة، ومنها طلب مجموعة من الشباب تضييق بدلاتهم. رضخت الموظّفة لطلبهم بعد إصرارهم على ذلك، على الرّغم من تحذيرهم أنّ نوعية القماش قد تتمزّق نتيجة ذلك. عادوا ثانية إلى المحلّ بعد انقضاء الحفلة بالسراويل الضيّقة، وهم يضحكون من الموقف الساخر الذي تعرّضوا له جميعاً جرّاء تمزّق ثيابهم خلال الحفلة. تلفت شمسين إلى أنّ الثياب تمزّقت لأنّها غير قابلة للتمدّد، وليس بسبب سوء الخياطة. وفي سياق متصل يجيب شربل صالح، مدير صالون "Danny s"، قائلاً لـ "العربي الجديد": تتنوّع جنسيّات الزبائن، بيد أنّ العرب هم الفئة الغالبة خصوصاً العراقيين، تليهم الجنسيات الهندية والباكستانية وغيرها من الجنسيات الآسيوية إلى جانب أقلية إنجليزية وأوروبية.

صالون داني يجذب الزبائن
يوضح صالح سبب تهافت العرب على محله، ويقول إنّ الشعر الشرقيّ يختلف بطبيعته عن الأوروبي، ويصعب التعامل معه في الصالونات الأجنبية، إذ غالباً ما تلجأ الزبونات إلينا، وهنّ يشتكين من كيفية تفاعل ألوان الصبغة على شعرهم، التي اختلفت كلّياً عن النتيجة على شعر الأوروبيات. ويجهل معظم الحلاّقين الأجانب كيفية التعامل مع الشّعر الشرقي، أمّا في ما يتعلّق بالآسيويات فشعرهن مماثل للشرقيات، ويجدن في الصالون اللبناني ما يتناسب وأذواقهن. ولا يتوانى الصالون عن جذب الأوروبيات.
افتتح صالون داني في عام 2005، ويقصده الزبائن من كافّة مناطق العاصمة البريطانية لندن، خصوصاً ضواحي منطقة كينجستون، وهناك قلّة لا تثنيهن المسافات الطويلة عن القدوم إلى الصالون من خارج لندن.
"نتعرّض كأي محل آخر لمواقف صعبة، غير أنّنا نعمل دوماً على إرضاء الزبون"، حتّى أنّ داني صاحب المحل اضطرّ ذات مرّة إلى أخذ فستان أحد الزبائن إلى منزلها بعد دوام العمل، بسبب تلوثّه بالصبغة. غضبت الزبونة وطلبت تنظيف ثوبها أو شراء آخر جديد لها، على الرّغم من أنّ الموظف ألبسنها ثوب الصبغة، وكان الخطأ خطأها، غير أنّ داني حاول تهدئتها، فما كان منها إلاّ أن تمادت وبدّلت ملابسها بثوب آخر من سيّارتها، مصرّة على استلام فستانها في تلك الليلة. يضيف شربل، تلك الحادثة علّمتنا أن نكتب لائحة بقوانين المحلّ ومسؤولية الزبون والموظف.
وتُقام في شارع لندن القديم مهرجانات سنوية، يشترك فيها أصحاب المحلاّت وغيرهم. تُباع المأكولات على أنواعها، وتُعزف الموسيقى وتوضع ألعاب الصغار الترفيهية في إحدى أركانه، كما تقدم فرق راقصة عروضاً رائعة.




المساهمون