أميركا.. وثقافة العمل

13 مايو 2015
وفرة العمال وانتاجيتهم العالية ساهما في نمو أمريكا (أرشيف)
+ الخط -
تعتبر الموارد الطبيعية المكوّن الأول للنظام الاقتصادي الأميركي، فالولايات المتحدة غنية بالموارد المعدنية والتربة الزراعية الخصبة، وتنعم، عموماً، بمناخ معتدل. كما لديها سواحل واسعة تمتد على كل من المحيطين الأطلسي والهادئ، وكذلك على خليج المكسيك.

وبينما تتدفق أنهار عديدة من أماكن بعيدة داخل القارة، تعمل البحيرات الكبرى، وهي خمس بحيرات واسعة تمتد على طول حدود الولايات المتحدة مع كندا، على توفير أماكن شحن إضافية. ساعدت هذه المجاري المائية الواسعة في تقوية دعائم النمو الاقتصادي للبلاد على مدى سنوات، من خلال ربط ولاياتها الخمسين في وحدة اقتصادية واحدة.

أما المكون الثاني للنظام الاقتصادي الأميركي فهو القوى العاملة، وهي التي تعمل على تحويل الموارد الطبيعية إلى سلع. فقد ساعدت وفرة عدد العمال، والأهم من ذلك إنتاجيتهم المرتفعة، على تعزيز سلامة الاقتصاد الأميركي.

شهدت الولايات المتحدة، طوال تاريخها، نمواً مطرداً في القوى العاملة، والتي بدورها، ساعدت على دعم توسّع اقتصادي ثابت تقريباً. وحتى وقت قصير بعد الحرب العالمية الأولى، كان معظم العمال المهاجرين إلى الولايات المتحدة يأتون من قارة أوروبا، لينضموا الى الأميركيين السود الذي جرى نقل أجدادهم من قارة أفريقيا إلى الأميركتين وذلك للعمل كرقيق. وفي السنوات الأولى من القرن العشرين، هاجرت أعداد كبيرة من الآسيويين إلى الولايات المتحدة، في حين هاجر العديد من اللاتينيين من أميركا اللاتينية في السنوات اللاحقة.

على الرغم من أن الولايات المتحدة قد شهدت فترات من ارتفاع معدلات البطالة، وفترات أخرى عندما كانت القوى العاملة تعاني من تراجع في المعروض، فقد استمرت أعداد المهاجرين في الارتفاع، حيث أبدوا استعدادهم للعمل بأجور متدنية كانت، في كثير من الأحيان، أكثر بكثير ممّا كانوا سيحصلون عليه في بلدانهم الأصلية. ازدهرت البلاد، ونما الاقتصاد بسرعة كافية لاستيعاب المزيد من القادمين الجدد.

ولم يقتصر الأمر على وفرة القوى العاملة في سوق العمل، بل على نوعيتها من حيث المهارة والدقة. في الأيام الأولى من تأسيس الولايات المتحدة، تطلّبت الحياة العملية الكثير من العمل الجاد، حيث أسهمت ما أصبح يُعرف بـ"أخلاقيات العمل البروتستانتية" في تعزيز هذه الصفة على نحو كبير، والتي تستند على ضرورة الانضباط والعمل الشاق والإخلاص كعنصر من عناصر النجاح الدنيوي، وهي كانت، أيضاً، وراء ظهور العقلية الرأسمالية في أوروبا في ما بعد. وكان للتركيز القوي على التعليم، والتدريب التقني والمهني، دوراً هاماً في تحقيق النجاح الاقتصادي في أميركا، فكان هناك استعداد كامل لخوض تجربة الحداثة والتغيير بكل ما فيها من مصاعب وعمل مضنٍ.

وقد ساهمت قابلية الأيدي العاملة على التنقل السهل والسريع من موقع الى آخر، في قدرة الاقتصاد الأميركي على التكيّف مع الظروف المتغيّرة. فعندما أغرقت أعداد المهاجرين أسواق العمل على الساحل الشرقي، انتقل العديد من العمال من الساحل الى المناطق الداخلية الزراعية في انتظار موسم الحرث. وبالمثل، فقد أسهمت الفرص الاقتصادية في المدن الصناعية الشمالية، في النصف الأول من القرن العشرين، في جذب الأميركيين السود من مزارعهم الجنوبية إلى مدن الشمال.

لا تزال نوعية القوى العاملة قضية هامة في الولايات المتحدة، حيث ينظر إليها الأميركيون، اليوم، على أنها "رأس المال البشري"، وبمثابة مفتاح النجاح للعديد من الصناعات التكنولوجية الحديثة. نتيجة لذلك، فإن مسؤولي الشركات والجامعات والقادة الحكوميين، على اختلاف توجهاتهم السياسية، يشددون، على نحو متزايد، على أهمية التعليم والتدريب في تطوير القوى العاملة التي تفضي، بنهاية المطاف، الى تخريج عمال يتميّزون بعقول نيّرة ومهارات قابلة للتكيّف مع العمل في صناعات جديدة.

وتحتاج الموارد الطبيعية والقوى العاملة إلى تنظيم وتوجيه بأكبر قدر من الكفاءة. في الاقتصاد الأميركي، فإن المديرين هم من يقومون بأداء هذه الوظيفة من خلال استجابتهم للإشارات التي ترسلها الأسواق، حيث يستند الهيكل الإداري التقليدي في أميركا إلى تسلسل هرمي ينتقل من أعلى إلى أسفل؛ تبدأ من الرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة، الذي يتأكد من أن الأعمال تسير بسلاسة وكفاءة، وصولاً إلى مستويات إدارية مختلفة تكون مسؤولة عن تنسيق وربط أجزاء مختلفة من المشروع. هذا التقسيم لمهام العمل استند أساساً على فكر مهندس الميكانيك الأميركي، فريدريك تايلور، صاحب نظرية "الإدارة العلمية" والمعروفة، أيضاً، باسم "منهج تايلور"، والتي تقوم بتحليل وتركيب حركة سير العمل، ويتمثل هدفها الأساسي في تحسين الكفاءة الصناعية، لا سيما إنتاجية العمال.

إقرأ أيضا: 3.6 مليارات دولار إنفاق السعودية على العمارة الداخلية
المساهمون