شفيق المخلص يبعث من جديد
قبل التعليق على"مولد أحمد شفيق" المنصوب منذ يومين، من المهم التأكيد على نقطتين أساسيتين: أنه، بوصفه مواطناً مصرياً، يستحق الدفاع عن حريته في السفر والتنقل حيث يشاء، ومن واجب الجميع أن يدافع عن حريته، إن كان محتجزاً في الإمارات.
الثانية: أنه وباعتباره مواطناً مصرياً من حقه أن يمارس العمل السياسي، ويترشح لأي انتخابات، كما يشاء.
على هذه الأرضية، من حق الجميع الاشتباك مع هذه"الهوجة" التي تبدو مفاجئة، مع إذاعة تسجيلين تلفزيونيين له، في الأول يعلن رغبة في التقدم للانتخابات، وفي الثاني يعلن أن سلطات الإمارات منعته من السفر.
معلوم أن أحمد شفيق، وفور إعلان فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر في انتخابات يونيو/ حزيران 2012، قرّر مغادرة القاهرة سراً، حيث أعلن المحامي والسياسي عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط في ذلك الوقت أن" فجر يوم 26 يونيو، وعلى متن الرحلة رقم 650 المتجهة إلى أبو ظبي، والتابعة لخطوط الاتحاد الجوية، سافر أحمد محمد شفيق زكي، وبصحبته أمتعة ومنقولات بمجموع أوزان قدرها 7110 كيلو غرامات، وقد فتحت له صالة كبار الزوار ولم يتم تفتيش أي شيء من هذه الحمولة"
قبل هذه القفزة المباغتة إلى الإمارات، كانت أزمة دبلوماسية عنيفة قد اندلعت بين القاهرة وأبو ظبي، على خلفية تصريحات لقائد شرطة دبي، ضاحي خلفان، تطاول فيها على الرئيس المنتخب بعبارات فجّة من عينة "تقدّم مرسي تراجع لمصر"، و"فوز الإخوان يوم شؤم وكارثة على المصريين والأمة العربية والإسلامية" و"يحرم عليه.. أن نفرش له سجاداً أحمر"، و"سيأتي الخليج حبوا".
منذ ذلك الوقت المبكر، بدأ أحمد شفيق عملية التحضير للثورة المضادة في مصر، بنشاط محموم، على مدار عدة شهور، وبإنفاق هائل على كل المستويات، حتى جاءت لحظة الثلاثين من يونيو/ حزيران، وأطاحت الدولة العميقة بذراعيها، الجيش والشرطة، أول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر، وانتهى الأمر بانقلاب عسكري مكتمل الأركان، شعر بعده أحمد شفيق بأنه نال جزاء سنمار.
القصد، أنه على مدار خمس سنوات لم تكن هناك مشكلات تذكر بين الإمارات وأحمد شفيق، إذ بقي يتلقى معاملة سفير فوق العادة للثورة المضادة والانقلاب في مصر، ويواصل دوره في تأييد منظومة الانقلاب، بكل نشاط وهمة.
كان أحمد شفيق، طوال هذه السنوات، مصمماً على روايته الخاصة بما جرى في انتخابات الرئاسة 2012، وأنه كان الفائز، وجرى تغيير النتيجة. ومن هنا أول ما يلفت النظر في فيديو شفيق المذاع أول من أمس، أنه وللمرة الأولى يعترف بفوز الرئيس محمد مرسي، حين يخاطب "بني شعبه" قائلا إنه حصل على المركز الثاني في تلك الانتخابات، من دون التشكيك في استحقاق الرئيس مرسي المركز الأول.
قد يبدو شفيق، ومثله جنرالات متقاعدون آخرون، في هذه اللحظة، على تناقض، أو خلاف مع عبد الفتاح السيسي، لكن ذلك كله لا يبرر ذلك الحماس، الذي يصل حد اللوثة، في استقبال (العسكري) شفيق وكأنه"المخلص" الذي بعث يوم مولد النبي ليمنح مصر صك الانعتاق من ربقة الطغيان العسكري، وينقلها إلى حدائق الديمقراطية الغناء.
هذا الحماس، غير العقلاني، يبدو باعثاً على الدهشة من قوى تنتسب لمعسكر مناهضة انقلاب السيسي، تنتمي لتيار الإسلام السياسي، وخلافه، تخلع على شفيق رمز الثورة المضادة، وقائدها، صفات ثورية ونضالية، لم نعرف بها قبلاً، وتستدعي مقارناتٍ، غير منطقية، مثل حالة سعد الحريري، وتورغوت أوزال، حتى يخال لك أنهم بعد قليل سيلبسونه ثوب نيلسون مانديلا وجيفارا.
يرتفع بعضهم بالحماس أكثر، فيهبطون بمستوى الجدل إلى مرحلة استخدام نظرية ساقطة، مضمونها أنهم على استعداد للالتفاف حول "أي كلب بلدي ضد السيسي"، وحجتهم إنهاء معاناة المعتقلين، وهي حجة يدحضها الواقع الذين يقول إن من بين ساكني الزنازين من دخلوها لأسباب عدة، من بينها أحمد شفيق، مثل حالة علاء عبد الفتاح ورفاقه، الذين رفضت محكمة النقض طعنهم ضد الحكم بسجنهم في قضية ملفقة، هي حرق مقر الحملة الانتخابية لشفيق، ومنهم عصام سلطان الذي كان ولا يزال هدفاً لمدفعية شفيق والثورة المضادة، لأنه تقدّم ببلاغ للنيابة ضد فساد في وزارة الطيران، في عهد شفيق.
باختصار، لا توجد علامة واحدة على أن شفيق نصير للحريات، أو صديق للمعتقلين، أو معني بموضوع الديمقراطية والثورة، من قريب أو بعيد، حتى يشطح الخيال ببعضهم إلى توهم أنه بالإمكان أن يكون شفيق 2017 هو محمد البرادعي 2009.