كانت حافظ ابنة تسعة أعوام حين ألفت أول مقطوعة موسيقية، تتذكر السبب في تأليف هذه المقطوعة حين اصطحبوها في العائلة إلى السينما لحضور فيلم صامت، وتتذكر حين قدمها أستاذها في الموسيقى المايسترو الإيطالي جيوفاني بورجيزي على المسرح في حفل رسمي ليسمع الناس أول مقطوعة من تأليفها، وحين سمعت اسمها هربت معتقدة أن أستاذها يسخر منها.
أحب والدها المقطوعة وأطلق عليها اسم "بهيجة" ثم ألفت بعد ذلك مقطوعتين الأولى "معلشي" والثانية "من وحي الشرق".
رغم أن حافظ كان متنوراً ومقدراً لموهبة ابنته، لكنه زوّجها وهي في عمر 12 عاماً فقط، وكان شريك حياتها لا يحب الموسيقى ولا الفنون فانتقلت الفتاة من منزل يعشق الفنون إلى بيت لا يكترث لها أبداً، وبعد سنوات من الزواج التعس انفصلت عن زوجها وتزامن الطلاق مع وفاة والدها، فقررت بهيجة مغادرة الإسكندرية وفتح صفحة جديدة من حياتها في القاهرة.
ذاع صيت بهيجة كأول مؤلفة موسيقية في مصر، وربما في العالم العربي، وأخذتها هذه الشهرة إلى السينما حين عرض عليها لعب البطولة في فيلم "زينب" أمام يوسف وهبي، لكن قبولها الدور جلب عليها غضب العائلة، التي اعتبرتها ميتة وأقامت شقيقتها عزاء لها.
لنا أن نتخيل القسوة التي منيت بها الشابة من عائلتها، ولنا أن نتخيل الشجاعة التي ساعدتها على تجاهل ذلك والمضي ليس فقط بطلة للفيلم بل لتضع أيضاً الموسيقى التصويرية للعمل الذي أخرجه محمد كريم.
لم يكن لطموح بهيجة حد، فسرعان ما فكرت في تأسيس شركة إنتاج سينمائي تحت اسم "فنار فيلم" وأنتجت عدة أفلام أهمها "ليلى بنت الصحراء"؛ وهو من إخراجها أيضاً وكان أول فيلم مصري ناطق يعرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي وينال جائزة ذهبية عام 1938.
لكن هذه الشركة ستكون السبب في تخلي حافظ عن السينما والتواري عن الأوساط العامة، فبعد نجاح "ليلى بنت الصحراء" تعرضت الشركة لخسارة كبيرة بعد إنتاج فيلم "زهرة السوق" (1947) الذي لم يلق أي حظ من النجاح وتسبب في إعلان إفلاس "فنار فيلم".
حاولت حافظ أن تظل على تواصل مع الوسط الثقافي من خلال إقامة صالون خاص في بيتها المجاور لبيت هدى شعراوي، استمر حتى عام 1968 قبل أن تقرر أن تتوقف، وكانت قد أسست خلال ذلك أول نقابة للموسيقيين وجمعية ثقافية مع رواد صالونها.
تقول الشهادات المختلفة إن بهيجة ظلت مريضة ووحيدة لا يزورها أحد خلال السنوات القليلة التي سبقت رحيلها، وحين توفيت لم يعرف أحد إلا بعد مرور يومين على وفاتها في بيتها، ومثلما عاشت وحيدة خرج جثمانها وحيداً لم يحضره أي فنان، ولم ينشر لها أحد أي نعي، حتى عزاؤها أقيم في الليل.
اليوم لا يعرف أحد مصير تسجيلات مؤلفات بهيجة حافظ الموسيقية، فالمكتبة المصرية تخلو منها، ولم يكترث أحد في توثيق حياتها ومشوارها وتجربتها، حيث كانت مخرجة في زمن لم تولد فيه المخرجات بعد حتى في أوروبا وأميركا.