حرب لوبان... نهاية حقبة في تاريخ اليمين الفرنسي المتطرف

22 اغسطس 2015
قرّر الأب مواجهة ابنته انتخابياً (فرانس برس)
+ الخط -
بعد أشهر من المعارك الحزبية والقضائية والإعلامية، أُسدل الستار ليل الخميس، على فصل من الحرب العائلية على رأس حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، إثر نجاح رئيسة الحزب مارين لوبان في طرد أبيها جان ماري، من الحزب الذي ساهم في تأسيسه عام 1972. وتركت مارين المهمة للمكتب التنفيذي، الذي اتخذ قراراً بطرد الأب وتجريده من لقب "الرئيس الفخري" للحزب، في اجتماع غابت عنه عمداً هي ونائبها فلوريان فيليبو.

وبطرد الأب تكون مارين قد قطعت شوطاً كبيراً في عملية الجراحة التجميلية السياسية، التي أخضعت الحزب المتطرف لها، منذ تسلّمها مقاليد رئاسته عام 2011، بهدف جعله حزباً عادياً وحديثاً، وقادراً على تبوء أدوار طلائعية في المشهد السياسي الفرنسي. ذلك أن الأب بتاريخه المثقل بالمواقف العنصرية والمعادية للسامية، تحوّل منذ سنوات، في نظر ابنته والجيل الجديد من كوادر الحزب، إلى "عائق أساسي لتطوير الحزب"، في مسعى للتخلص من صورة الحزب المعادي لليهود اللصيقة به منذ انشائه. وأيضاً إكسابه شرعية جمهورية، تخوّله الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلتين.

ورغم أن إقصاء المؤسس التاريخي للحزب يعرض مارين للقطيعة مع جزء من قاعدة المناضلين، فإنها تفضل خسارة هؤلاء، مقابل ربح واستقطاب قاعدة جماهيرية جديدة من الناخبين، نساءً وشباباً، أي من أولئك الذين يشعرون بالخذلان من اليسار الاشتراكي واليمين التقليدي. علماً أن هناك من يرى في العملية برمّتها مجرد "خطة سياسية وإعلامية ذكية"، من طرف رئيسة الحزب، التي نجحت منذ أكثر من عام في شغل وسائل الإعلام بالقصة واحتلال الصدارة والترويج للحزب.

اقرأ أيضاً: مارين لوبان تضحّي بوالدها لمصلحة الحزب

واذا كان قرار الطرد نهائياً ولا رجعة فيه على مستوى قيادة الحزب فإن الأب العجوز، رغم بلوغه 87 عاماً، عازم على مواصلة المعركة ضد ابنته من خلال اللجوء إلى القضاء لإلغاء قرار الطرد. ونجح حتى الآن في كسب دعاويه القضائية ضد الحزب. ومنذ أن تم تعليق عضويته في 4 مايو/أيار الماضي، ربح العجوز ثلاث معارك قضائية متتالية، أعادت له عضويته الحزبية، وألغت مشروع استفتاء حزبي داخلي لتجريده من لقب الرئيس الفخري. ويعتزم الأب رفع دعوى جديدة هذه المرة، ضد شرعية المكتب التنفيذي الذي اتخذ في حقه قرار الطرد، واتهام أعضائه بـ"عدم الحيادية"، تحديداً لأن بعضهم موظفون في الحزب ويخضعون لسلطة مارين لوبان.

وفي موازاة الدعوى القضائية، يعتزم الأب نقل المعركة إلى الساحة الانتخابية، وترشيح نفسه في الانتخابات الإقليمية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ لا يزال يتمتع بمساندة العشرات من نواب الحزب المحليين، الذين دخلوا في صراعٍ مفتوح مع فيليبو، نائب مارين والزعيم الثاني في الحزب.

ويثير فيليبو امتعاض هؤلاء ليس فقط بسبب موقفه من الأب، بل بسبب "مثليته الجنسية"، المرفوضة في أدبيات قدامى الحزب اليميني. وعليه ينوي الأب قيادة لائحة انتخابية منشقة في منطقة باكا، جنوبي فرنسا، التي يتمتع فيها الحزب بقاعدة شعبية كبيرة، وحيث يتواجد الآلاف من الناخبين المتعاطفين معه، وفي حال نجاح لائحته سيوجّه ضربة قاصمة لابنته ويزيد من متاعبها ويقلل شعبيتها في صفوف الكوادر الحزبيين.

وهناك من يرى أن "الأب مدفوعاً بغريزته الانتقامية، قد يُفسد على ابنته حلم الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017، ويرشح نفسه في مواجهتها، من أجل إضعاف حظوظها بالفوز ولو بالجولة الأولى". وفي هذا الاتجاه قد يعمد جان ماري إلى تأسيس حزب سياسي جديد، يجمع فيه المتعاطفين معه، والكوادر المحافظة، غير الراضية بالتحوّلات الجوهرية التي أخضعت لها مارين الحزب وأيديولوجيته.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن الجناح المتشدد داخل الحزب، كان يتمنى أن تصل الأمور إلى حدّ طرد الأب، لنقل المعركة مع الابنة إلى الساحة الانتخابية، خصوصاً أن الأب يُعتبر مليونيراً وباستطاعته ضخّ الملايين في الحملة الانتخابية لمجرد إزعاج مارين والانتقام منها. وسبق له أن لمّح إلى هذه النقطة في بيانٍ نشره الشهر الماضي، وقال فيه "سأناضل من دون كلل من أجل إتاحة الفرصة لملايين الفرنسيين الذين يتقاسمون أفكاري، ليكون لهم ممثل في الاستحقاقات الانتخابية الكبرى المقبلة".

لكن مارين وقيادة الحزب الجديدة، تراهنان على تقدّم سن الأب ومتاعبه الصحية، وتريان أنه على الرغم من الخسائر التي لحقت بسمعة الحزب بعد طرد الأب المؤسس، فإنها تظلّ خسائر مؤقتة وجانبية، مقابل الإيجابيات الكبيرة التي ستتمخّض عن فصله النهائي على المدى المتوسط والبعيد. ويكمن الهدف بالنسبة لهؤلاء بـ"تغيير جلد التمساح وضخ دم جديد"، في حزب قومي تشهد قاعدته الانتخابية توسعاً مطرداً في السنوات الأخيرة. كما أن الحزب وبعد التخلص من سمعة "الحزب المعادي لليهود"، سيتبنّى قاعدة تقوم على "سياسة معاداة المسلمين وحماية فرنسا من المهاجرين الجدد"، الذين باتوا يلجأون إلى البلاد بالآلاف ويخلقون موجة من الهلع ومشاعر الكره في أوساط شرائح واسعة من الفرنسيين. بالتالي سيكونون وقود المعارك الانتخابية المقبلة التي ينوي الحزب خوضها بشراسة.

اقرأ أيضاً: لقاء لوبان والطيب يثير غضب علماء الأزهر في مصر

المساهمون