قرارات الفجر: السعودية مملكة الأحفاد

30 ابريل 2015
25 أمراً ملكياً صدروا فجراً (فرانس برس)
+ الخط -
شاءت القيادة السعودية أن تمرّ الأوامر الملكية التي ترجمت تغييرات جذرية في هرم الدولة، بهدوء وسلاسة، تماماً مثلما ارتأت أن تعلن وفاة الملك عبد الله قبل أربعة أشهر، بعد منتصف الليل، في إعلان واحد مع أوامر ترتيبات تسلم وتسليم السلطة. استفاق السعوديون والعالم، أمس الأربعاء، مثلما استفاقوا في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، على وقع رزمة من الأوامر الملكية بلغ عددها 25، سجّلت سوابق تاريخية تتعلق بالمملكة من جهة، والأهم أنها كرّست نفوذ جيل أحفاد المؤسس عبد العزيز بشكل رسمي من جهة ثانية، ليبقى الملك سلمان، اليوم، الحاكم الوحيد من سلسلة أبناء الملك الراحل عبد العزيز. الأبرز في الأوامر طبعاً كان اكتمال صعود الحفيدَين، محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في هرم السلطة، وهو ما شاءت الرياض أن يحصل بالتدريج، لكن أيضاً بسرعة، إذ لم يمضِ سوى 97 يوماً على التعيينات الكبيرة الماضية في يناير، التي حلّ بموجبها الأخ غير الشقيق للملك سلمان، مقرن بن عبد العزيز، في منصب ولاية العهد.

97 يوماً حصلت خلالها العديد من الأحداث والتطورات، الداخلية والإقليمية والعالمية، وكانت كافية على ما يبدو لتمهيد الأرضية لوصول الأمير محمد بن نايف (55 عاماً) إلى ولاية العهد بدل الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي تمت تنحيته "بناء على طلبه"، ليصبح بن نايف، في آن، أول ولي عهد من بين أحفاد عبد العزيز، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية ورئيساً لمجلس الشؤون السياسية والأمنية المستحدث على يد سلمان. أما ابن سلمان، محمد (30 عاماً)، فأيضاً سجّل سرعة قياسية في عهد والده لناحية صعود سلم القيادة لدرجة بات أصغر ولي لولي العهد في تاريخ المملكة، خلفاً لابن عمه محمد بن نايف، وليبقى وزيراً للدفاع ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. مجلسان (الشؤون السياسية والأمنية ثم الشؤون الاقتصادية والتنمية) يتوقع كثيرون أن يأخذا دوراً مركزياً في خارطة النفوذ في المملكة؛ كون قرار تأسيسهما نصّ على أنهما يديران أحوال البلاد "بجوار مجلس الوزراء".

وعلى الرغم من أن بعض القرارات كان متوقعاً، نظرا لتداولها في الأوساط المحلية، إلا أن إعفاء مقرن بن عبد العزيز من منصبه كولي عهد مثل خرقاً للبروتوكول السعودي، إذ إن تعيينه في عهد الراحل عبد الله بن عبد العزيز، جاء بقرار فريد في تاريخ المملكة، نصّ، في بنده الثالث، حرفياً على أنه "لا يجوز تعديل هذا القرار، بأي حال من الأحوال أو تبديله بأي صورة كانت من أي كائن كان، أو تسبيب أو تأويل". ووسط تضارب في الأقاويل، إلا أن هناك رواية تم تداولها على صعيد واسع تشير إلى اجتماع الملك مع مقرن وإبلاغه رغبته في تنحيته، كأول ولي للعهد في السعودية تتم تنحيته، وهو الأمر الذي قبل به مقرن؛ نظراً لظهوره بصورة مهمشة لم يظهر بها أي ممن تولوا المنصب قبله من الأسرة الحاكمة، إضافة إلى أنه كان مدركاً أن قدومه معيناً من العهد القديم، جعله ضعيفاً وسط ندرة الوجوه التي تسانده وتدعمه، وبخاصة وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله بن عبد العزيز الذي لم ينل أي ترقية. ومن أبرز ما تضمنته القرارات أيضاً، إجراء تعديلات وزارية، وتعيين منصور بن مقرن، نجل ولي العهد السابق (المعفى من منصبه) مستشاراً للعاهل السعودي بمرتبة وزير، إضافة إلى صرف راتب شهر لأفراد جميع القطاعات العسكرية والأمنية من أفراد وضباط ومدنيين "تقديراً لهم على جهودهم وعطاءاتهم وبذلهم". وكان لافتا أن الأمر الملكي جاء بعد الاطلاع على كتاب الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود (المؤرخ بتاريخ اليوم الأربعاء)، المتضمن رغبته في إعفائه من ولاية العهد (وهو ما يعني أن طلب الإعفاء جاء فجر اليوم).

اقرأ أيضاً تغييرات السعودية تشعل اهتمامات اليمنيين: دعم العاصفة ومؤشر خلافات

عن هذا الموضوع، يرى متابعون أن المرحلة كانت تتطلب سرعة في اتخاذ القرار لا يضر فيها خرق بروتوكولي يضمن متانة في تولي المناصب القيادية، تجعل من الأفضل ضم ولاية العهد لمحمد بن نايف الرجل الأقوى في المرحلة الحالية، والذي يُسرب أنه يتولى جزء من تسيير الدولة فعليا، كون المجلس الذي يترأسه، وهو مجلس الشؤون السياسية والأمنية، لم يقبل به إلا بعدما أعطيت له صلاحيات خولته بعدم الرجوع فيها إلى أحد.
ملامح تجديد الأجيال من خلال الأحفاد واضحة في قرارات الفجر: خرج من المشهد اثنان من القدامى، هما مقرن وسعود الفيصل (الذي ظلّ وزيراً للخارجية طيلة 40 عاماً). وبذلك، يكون مقرن قد سجل اسمه كصاحب أقصر فترة يقضيها أمير سعودي في ولاية العهد. مفارقة أخرى تجسدت بوصول عادل الجبير إلى رئاسة وزارة الخارجية، وهو صاحب الـ53 عاماً، وقضى مسيرته الدبلوماسية في الولايات المتحدة التي كان سفيراً لبلاده فيها قبل تعيينه أخيراً وزيراً. من هنا يمكن فهم الأهمية التي أعطيت للرجل على الأقل إعلامياً على وقع تطورات عاصفة الحزم في اليمن؛ إذ كان هو أول من أعلن من واشنطن بدء الحملة العسكرية ذات 26 مارس/آذار 2015. ويحلو لكثيرين في هذا المجال التذكير بأن الجبير هو تحديداً الدبلوماسي الذي تعرض لمحاولة اغتيال أدانت المحكمة الاتحادية في نيويورك كلاً من الإيرانيين منصور اربابسيار وغلام شكوري بالتخطيط لها. وهنا يكمن البعد الخارجي المتعلق بإيران في تعيينه في ظرف إقليمي يتسم بما يرى البعض أنه حرب بالوكالة بين إيران والسعودية، وحرب باردة بين البلدين في أكثر من ملف.

أمنياً، كانت المؤشرات كثيرة إلى النفوذ المتعاظم لمحمد بن نايف، أكان ما يتعلق بالأمن الداخلي الذي تُرجم بإعلانات رسمية متلاحقة حول ما قالت الرياض إنه ضبط لخلايا تنظيمَي القاعدة وداعش في المملكة، أو ما يتصل بالتهديدات الآتية من خلف الحدود، خصوصاً الجنوبية مع اليمن. ويرى كثيرون أن صورة "المحمدين"، بن نايف وبن سلمان، يتنقلان في غرفة قيادة عمليات عاصفة الحزم، في 26 مارس/آذار الماضي، كانت الأكثر تعبيراً عن موقعهما في دائرة القرار منذ تسلم الملك سلمان الحكم.

منذ بدء "عاصفة الحزم"، كان واضحا أن هناك شيئاً يحصل في أروقة قصر الحكم، بحسب البعض، إذ التزم مقرن بن عبد العزيز قصره من دون أن يكون له أي حضور على المشهد الذي كان يتطلب منه ظهوراً قوياً، إلا أن الحاضر البارز كان محمد بن سلمان، إذ صورته وسائل الإعلام الخليجية أنه بطل المرحلة فعلياً لعمليات عاصفة الحزم. ويرى مراقبون أن محمد بن سلمان كان بحاجة لفعل على الأرض، وضخ إعلامي مضاعف يمهدان له منصبه الذي كان المؤشرات تتوقع تأخره قليلاً خصوصاً مع صغر سنه نسبياً، إلا أن الأمور سارت أسرع مما يتوقع الجميع. وبجوار عاصفة الحزم وما جرى فيها، كان الشاب الثلاثيني يحصد صيتا عبر مواقف توحي بمحاربته للعنصرية والطائفية. وصدرت عنه، الأسبوع الماضي، ثلاثة قرارات، وهي إيقاف أحد أفراد الأسرة الملكية بسبب تصريح رياضي له شمل تلفظه بعبارات عنصرية ضد أحد المواطنين. كما تم توقيف وإحالة عسكري إلى التحقيق بسبب تغريدة أطلقها يتمنى فيها "قتل الطائفة الشيعية". وإضافة لذلك، فإنه تدخل من أجل معالجة نقل معلمة في جنوب السعودية تم تقديم شكوى كيدية بحقها لدواع طائفية.

تختلف آراء وتحليلات المراقبين حول خلفيات التعجيل بصدور القرارات الأخيرة بهذه السرعة التي تستدعي كسر البروتوكول الملكي من الملك سلمان؛ المعروف بتشدده إزاء احترام "البروتوكول" منذ كان حاكماً للرياض؟ هل هي فعلاً الأوضاع الأمنية التي يتم تصويرها بأنها خطيرة جداً بسبب "القاعدة" و"داعش"، أم هي تطورات اليمن والحاجة لوجوه جديدة ديناميكية توحي بـ "الحزم" المطلوب توفره في ظل الحروب. أم أخيراً هو الصراع المفتوح مع إيران، والكلام عن احتمال انتقال المواجهة إلى سورية وأماكن أخرى، وهو ما يفرض بدوره بروز شخصيات جديدة في المرحلة الجديدة؟

رزمة تعيينات الفجر جاءت كبيرة، عبارة عن 25 أمراً ملكياً، تم تعيين بموجبها، فضلاً عما سبق في هرم القيادة، كل من خالد بن عبد العزيز الفالح وزيراً للصحة، وإعفاء عادل فقيه وتعيين مفرج الحقباني وزيراً للعمل، مع إعفاء محمد الجاسر وتعيين عادل فقيه وزيراً للاقتصاد والتخطيط، فيما تم تعيين حمد السويلم رئيساً للديوان الملكي، فضلاً عن تغيرات شملت ديوان المظالم وهيئة الإذاعة والتلفزيون، وغيرها من المناصب. هكذا، ظلّ الأمير متعب بن عبد الله وزيراً للحرس الوطني، وهو الحرس الذي أمر سلمان بانخراطه في عاصفة الحزم قبل ساعات من الإعلان عن الانتقال إلى مرحلة "إعادة الأمل".

اقرأ أيضاً 25 أمراً لسلمان فجراً: محمد بن نايف ولياً للعهد