تبدو العلاقات الأميركية-التركية وكأنها وصلت إلى مفترق طرق، أو ربما قد دخلت في طريق التآكل. إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التي طالما حرصت على حجب الخلافات من خلال التنويه بأهمية تركيا كحليف، انتقلت في الآونة الأخيرة من التمويه إلى لغة العتب. ويبدو أن هناك ضيقاً ونفوراً متبادلين، تحوّل معهما الحليفان المقربان إلى حليفين لدودين. فواشنطن منزعجة بشكل خاص من تقارب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المفاجئ والمتزايد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مقابل ذلك، فإن تركيا منزعجة لعدم دعم جهودها لمحاربة تنظيم "داعش" في سورية وتراجع واشنطن عن مساعيها بدعم المعارضة السورية وصولاً للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد. لكن تبرز ما تشبه مراهنة تركية على إمكان تحسين العلاقات مع واشنطن بعد وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وفي أوج هذه الخلافات، برز كلام تركي عن إمكان إغلاق قاعدة إنجرليك، إذ أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن بلاده تمتلك الحق بإغلاق القاعدة في أي وقت تراه مناسباً. وقال في مقابلة تلفزيونية: "نمتلك هذا الحق في كل وقت، يتم تقييم الظروف ومن ثم يتم اتخاذ القرار، الآن لا يوجد أي سبب لتسريع عملية التقييم، في إطار السيادة فإن التصرف بالقاعدة هو ملكنا". واعتبر كالن أن الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن في قتال "داعش"، عبر التحالف مع قوات "الاتحاد الديمقراطي"، هي استراتيجية خاطئة، معتبراً أن "إدارة ترامب ستتخذ الحساسيات التركية حول هذا الشأن بعين الاعتبار بشكل أكبر".
من جهته، أكد أردوغان، أن على بلاده ملاحقة المنظمات الإرهابية التي تهدد أمنها وسلامتها، وضربها في منابعها. وفي كلمة له أمس، قال أردوغان إن "الجهات (لم يسمها) التي لا تتمكّن من مواجهة تركيا بشكل علني، تستخدم المنظمات الإرهابية لسفك الدماء والطعن من الخلف". وتابع: "نزول تركيا إلى الساحة أفسد ألاعيب الذين يدعمون تنظيماً إرهابياً آخر بحجة محاربته تنظيم داعش الإرهابي، واتضح أنّ هؤلاء لا يهتمون بتطهير المنطقة من داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، بل على العكس تماماً فإنهم يهدفون إلى تحويل المنطقة لبحر من الدماء والنيران". وأكد أن بلاده ستواصل مكافحة المنظمات الإرهابية على الرغم من مطالبة بعض الجهات لها بالتريث وتحذيرها بعدم الاقتراب أكثر من معاقل "داعش"، في ما بدا إشارة إلى واشنطن.
وفي السياق نفسه، أعرب نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، عن تفاؤله بتحسن العلاقات التركية الأميركية في ظل إدارة ترامب، مشيراً إلى أمله بأنه تقوم الإدارة الجديدة بترحيل زعيم حركة "الخدمة" فتح الله غولن، وكذلك قطع علاقاتها بحزب "الاتحاد الديمقراطي". وقال كورتولموش: "لدينا علاقات متوترة مع الولايات المتحدة في اللحظة الراهنة، ولا أعتقد أن هذا سيستمر طويلاً، أظن أن هذا التوتر سينتهي قريباً".
مقابل ذلك، كانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، تقول إنه "في الوقت الذي تواصل فيه روسيا تهديد حلفائنا وتحاول التدخل في الأنظمة السياسية في أوروبا ومناطق أخرى، سيتعين علينا أن نبدي إدانة واسعة لهذه الأفعال ضمن منتدى الأمم المتحدة". وحذرت باور في مذكرة وداعية، اليوم الخميس، من أن مصالح الولايات المتحدة بما فيها الأمن القومي سيلحق بها الضرر إذا تراجعت البلاد عن الدور البارز التي تلعبه في الأمم المتحدة.
اقــرأ أيضاً
وتتلبد الغيوم في أفق العلاقات التركية الأميركية، منذ سنوات، وبدأت مع قيام التحالف الدولي لمواجهة "داعش" وتحفّظ أنقرة بشأنه. ثم تلبّدت أكثر مع تعويل واشنطن على الأكراد المعارضين لتركيا في محاربة "داعش"، ومنحهم دعماً مما زاد من الارتياب والهواجس التركية. وما إن جرى تطويق هذه الحساسية بضمانات وحسابات متداخلة، حتى جاءت محاولة انقلاب العام الماضي في تركيا لتزيد الطين بلة وتُحوّل التوجس التركي إلى بداية انعطاف باتجاه روسيا. وساهم في ذلك امتناع الولايات المتحدة عن تلبية طلب تركيا بتسليم غولن.
تضافر كل هذه العوامل وتسارعها، عجّل في الافتراق. ويضيف مراقبون إلى ذلك عاملين: تخلّي واشنطن أوباما عن سورية والمعارضة فيها، بما أدى إلى إعادة تعويم نظام بشار الأسد، خلافاً لما كان أردوغان يبتغيه. وثانياً، الصعود الروسي السريع الذي حل مكان الشغور الأميركي في سورية والمنطقة. هذا الصعود رأى فيه أردوغان البديل عن غرب لا يسمع منه الرئيس التركي غير الانتقادات، كما رأى فيه قوة لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة والحصول على عون في محاربة "داعش" الذي بدأ يهدد الساحة التركية بالمزيد من المتاعب.
أما الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، فبقي، حتى الآن، مع فريقه، في موقع المتفرج على المشهد التركي-الأميركي. ويسود اعتقاد أنه سيعمل على استعادة أردوغان من خلال تلبية بعض مطالبه وبما يهدّئ من هواجسه، ومنها تسليم غولن، لا سيما أن مستشاره لشؤون الأمن القومي، الجنرال مايكل فلين، صديق لتركيا أردوغان. وقد تتكلل المحاولة بالنجاح إذا كان تحوّل أردوغان نحو روسيا مجرد مناورة استبق بها مجيء إدارة ترامب لرفع ثمن فاتورة العودة.
في المقابل، هناك اعتقاد أن أردوغان قد حسم توجّهه الجديد، بما يخدم حساباته الداخلية وتحالفاته التي لم تعد تلتقي مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، والتي ترحب روسيا بها طالما تتفق واستراتيجية بوتين في المنطقة، القائمة في الأساس على الإطاحة بالنفوذ الأميركي فيها، أو في أقله إضعافه. وفي هذا السياق، تُشكّل تركيا جائزة كبيرة، إذا تيسر لبوتين فكها عن الولايات المتحدة وبالتالي عن حلف الأطلسي في آخر المطاف. ففي ذلك رد اعتبار وتسديد جزء من فاتورة توسع الحلف ووصوله إلى التخوم الروسية. وقد لا تلقى هذه المحاولة كثيراً من الاعتراض الأميركي في عهد ترامب الذي لا يهمه كثيراً أمر الحلف الأطلسي، كما سبق وأعرب عن ذلك صراحة أثناء الحملة الانتخابية، خصوصاً أنه لا يبدو في وارد خلق مواجهة مع موسكو، لا حول تحالفها مع أنقرة ولا حول تدخّلها في الانتخابات الأميركية.
اقــرأ أيضاً
مقابل ذلك، فإن تركيا منزعجة لعدم دعم جهودها لمحاربة تنظيم "داعش" في سورية وتراجع واشنطن عن مساعيها بدعم المعارضة السورية وصولاً للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد. لكن تبرز ما تشبه مراهنة تركية على إمكان تحسين العلاقات مع واشنطن بعد وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
من جهته، أكد أردوغان، أن على بلاده ملاحقة المنظمات الإرهابية التي تهدد أمنها وسلامتها، وضربها في منابعها. وفي كلمة له أمس، قال أردوغان إن "الجهات (لم يسمها) التي لا تتمكّن من مواجهة تركيا بشكل علني، تستخدم المنظمات الإرهابية لسفك الدماء والطعن من الخلف". وتابع: "نزول تركيا إلى الساحة أفسد ألاعيب الذين يدعمون تنظيماً إرهابياً آخر بحجة محاربته تنظيم داعش الإرهابي، واتضح أنّ هؤلاء لا يهتمون بتطهير المنطقة من داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، بل على العكس تماماً فإنهم يهدفون إلى تحويل المنطقة لبحر من الدماء والنيران". وأكد أن بلاده ستواصل مكافحة المنظمات الإرهابية على الرغم من مطالبة بعض الجهات لها بالتريث وتحذيرها بعدم الاقتراب أكثر من معاقل "داعش"، في ما بدا إشارة إلى واشنطن.
وفي السياق نفسه، أعرب نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، عن تفاؤله بتحسن العلاقات التركية الأميركية في ظل إدارة ترامب، مشيراً إلى أمله بأنه تقوم الإدارة الجديدة بترحيل زعيم حركة "الخدمة" فتح الله غولن، وكذلك قطع علاقاتها بحزب "الاتحاد الديمقراطي". وقال كورتولموش: "لدينا علاقات متوترة مع الولايات المتحدة في اللحظة الراهنة، ولا أعتقد أن هذا سيستمر طويلاً، أظن أن هذا التوتر سينتهي قريباً".
مقابل ذلك، كانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، تقول إنه "في الوقت الذي تواصل فيه روسيا تهديد حلفائنا وتحاول التدخل في الأنظمة السياسية في أوروبا ومناطق أخرى، سيتعين علينا أن نبدي إدانة واسعة لهذه الأفعال ضمن منتدى الأمم المتحدة". وحذرت باور في مذكرة وداعية، اليوم الخميس، من أن مصالح الولايات المتحدة بما فيها الأمن القومي سيلحق بها الضرر إذا تراجعت البلاد عن الدور البارز التي تلعبه في الأمم المتحدة.
وتتلبد الغيوم في أفق العلاقات التركية الأميركية، منذ سنوات، وبدأت مع قيام التحالف الدولي لمواجهة "داعش" وتحفّظ أنقرة بشأنه. ثم تلبّدت أكثر مع تعويل واشنطن على الأكراد المعارضين لتركيا في محاربة "داعش"، ومنحهم دعماً مما زاد من الارتياب والهواجس التركية. وما إن جرى تطويق هذه الحساسية بضمانات وحسابات متداخلة، حتى جاءت محاولة انقلاب العام الماضي في تركيا لتزيد الطين بلة وتُحوّل التوجس التركي إلى بداية انعطاف باتجاه روسيا. وساهم في ذلك امتناع الولايات المتحدة عن تلبية طلب تركيا بتسليم غولن.
تضافر كل هذه العوامل وتسارعها، عجّل في الافتراق. ويضيف مراقبون إلى ذلك عاملين: تخلّي واشنطن أوباما عن سورية والمعارضة فيها، بما أدى إلى إعادة تعويم نظام بشار الأسد، خلافاً لما كان أردوغان يبتغيه. وثانياً، الصعود الروسي السريع الذي حل مكان الشغور الأميركي في سورية والمنطقة. هذا الصعود رأى فيه أردوغان البديل عن غرب لا يسمع منه الرئيس التركي غير الانتقادات، كما رأى فيه قوة لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة والحصول على عون في محاربة "داعش" الذي بدأ يهدد الساحة التركية بالمزيد من المتاعب.
في المقابل، هناك اعتقاد أن أردوغان قد حسم توجّهه الجديد، بما يخدم حساباته الداخلية وتحالفاته التي لم تعد تلتقي مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، والتي ترحب روسيا بها طالما تتفق واستراتيجية بوتين في المنطقة، القائمة في الأساس على الإطاحة بالنفوذ الأميركي فيها، أو في أقله إضعافه. وفي هذا السياق، تُشكّل تركيا جائزة كبيرة، إذا تيسر لبوتين فكها عن الولايات المتحدة وبالتالي عن حلف الأطلسي في آخر المطاف. ففي ذلك رد اعتبار وتسديد جزء من فاتورة توسع الحلف ووصوله إلى التخوم الروسية. وقد لا تلقى هذه المحاولة كثيراً من الاعتراض الأميركي في عهد ترامب الذي لا يهمه كثيراً أمر الحلف الأطلسي، كما سبق وأعرب عن ذلك صراحة أثناء الحملة الانتخابية، خصوصاً أنه لا يبدو في وارد خلق مواجهة مع موسكو، لا حول تحالفها مع أنقرة ولا حول تدخّلها في الانتخابات الأميركية.