تشهد محافظة حضرموت، شرقي اليمن، منذ أيام، حراكاً سياسياً واجتماعياً لتثبيت الأمن في مديريات الوادي، التي تشهد انفلاتاً أمنياً طيلة السنوات الثلاث الماضية، وسط مساعٍ من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، لاستغلال الحراك سياسياً.
وتنقسم محافظة حضرموت إلى ساحل وواد. ويخضع الساحل، الذي تقع في إطاره مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، لسيطرة المنطقة العسكرية الثانية وقوات "النخبة الحضرمية"، التابعة للإمارات، بينما يقع وادي حضرموت تحت سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى، وهي آخر قوات عسكرية ينتمي أفرادها لمختلف المحافظات اليمنية موجودة في المحافظة، في الوقت الذي يقتصر فيه التجنيد في ساحل حضرموت على أبناء المحافظة فقط، وبدعم إماراتي.
وفي إطار التحركات لتثبيت الأمن في وادي حضرموت، شهدت منطقة الريان، شرقي مدينة المكلا، اجتماعاً، الأحد الماضي، ضم زعماء قبائل ووجهاء وأعياناً، لمناقشة الوضع الأمني في الوادي، وتوحيد الجهود السياسية والقبلية للضغط باتجاه فتح باب التجنيد لضبط الأمن في الوادي. كما ترأس محافظ حضرموت، اللواء الركن فرج البحسني، الإثنين الماضي، في مدينة المكلا، اجتماعاً ضم سلطة وادي حضرموت وزعماء قبائل ووجهاء وأعيان الوادي. وطالب المجتمعون بضرورة العمل على تجنيد العدد الكافي من أبناء الوادي والصحراء في الأمن والشرطة والقوات الخاصة وجهاز الاستخبارات، إلى جانب ترميم وتأهيل مراكز الأجهزة الأمنية لبسط الأمن في الوادي. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، أن عدداً محدوداً من زعماء قبائل بارزين ومسؤولين من وادي حضرموت سيعقدون اجتماعات منفصلة مع محافظ حضرموت والجهات ذات الاختصاص لتدارس الملف الأمني في الوادي.
وبالرغم من أن محافظة حضرموت كانت قد شهدت خلال العامين الماضيين تحركات مماثلة تطالب بتثبيت الأمن أو سيطرة قوات "النخبة" على كامل حضرموت، لكن ما يميز الحراك الأخير هو تصدره من قبل شخصية من خارج إطار الاستقطابات السياسية التقليدية في المحافظة، والمتمثلة في المرجع القبلي عبدالله مبروك بن عجاج النهدي، الذي قدم من السعودية إلى مدينة سيئون في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ورُتب له حينها استقبال رسمي وشعبي، قبل أن يتزعم وفداً لزعماء قبائل ووجهاء وأعيان من وادي حضرموت قدم إلى المكلا قبل يومين للقاء البحسني لمناقشة قضية أمن الوادي. كما أن بن عجاج لا يمتلك أي صفة قيادية في حلف حضرموت القبلي، الذي تأسس إثر الانتفاضة الشعبية في العام 2013، وتبنى لاحقاً تنظيم مؤتمر حضرموت الجامع وعدد من الأنشطة المطالبة بحقوق المحافظة. إلا أن تصدره للحراك الحالي، فسره البعض بأنه محاولة لإثبات فشل حلف حضرموت في تبني مطالب المحافظة، بعدما تقلد رئيسه الشيخ عمرو بن حبريش العليي منصب وكيل أول المحافظة.
وتزامناً مع الحراك الذي تشهده حضرموت لحل المشكلة الأمنية، يحاول "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، استغلال الحراك لصالحه من خلال الترويج لمطلب بسط قوات "النخبة الحضرمية" نفوذها على كامل حضرموت وطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى. وفي هذا السياق، قال القيادي في "الانتقالي الجنوبي"، علي الكثيري: "لقد كنّا وسنظل من أوائل المطالبين بنشر قوات النخبة الحضرمية لتأمين مديريات الوادي والصحراء في أسرع وقت ممكن". وأكد، في تصريحات صحافية، تأييد "المجلس الانتقالي الجنوبي" لأي تحرك يستهدف تمكين أبناء حضرموت من إدارة مديريات الوادي والصحراء أمنياً وعسكرياً وإجلاء "القوات الغاصبة" من الوادي.
وكان نائب الرئيس ورئيس الحكومة الأسبق، خالد بحاح، المقرب من الإمارات، قد استبق الحراك الذي تشهده حضرموت بهجوم على قوات المنطقة العسكرية الأولى واصفاً وجودها في وادي حضرموت بـ"المشبوه"، مطالباً باستبدالها بأخرى من أبناء المحافظة. ومنذ 2011، شهد جهاز الشرطة في وادي حضرموت استهدافاً ممنهجاً على ما يبدو من خلال اغتيال العشرات من قيادات ومنتسبي الأمن السياسي والأمن القومي، في واحدة من ارتدادات ثورة فبراير/ شباط السلمية التي أطاحت بالرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قبل أن تتعرض مقرات ومنشآت الشرطة في عدد من المديريات للنهب إبان الهبة الشعبية في العام 2013. ومع تصاعد الانفلات الأمني في وادي حضرموت إبان الحرب اعتكف المئات من منتسبي الأمن في منازلهم خوفاً من الاستهداف، فيما أغلقت مراكز الأمن في عدد من المديريات بذريعة عدم وجود الإمكانيات اللازمة، الأمر الذي دفع المنطقة العسكرية الأولى، التابعة للجيش، للقيام بواجبات الأمن العام في بعض مدن الوادي. ويعتبر المعارضون لوجود قوات المنطقة العسكرية بوادي حضرموت أن الأخيرة فشلت في تأمين مديريات الوادي، فيما يرى المؤيدون لبقائها أن حماية المدن من مسؤولية جهاز الأمن العام وليس الجيش، ولحل المعضلة الأمنية من الضروري إعادة بناء الأمن العام. على أن السبب الرئيس لتماسك قوات المنطقة العسكرية الأولى هو عدم وصول الاجتياح الحوثي إلى نطاق سيطرتها، إلا أن بقاءها إلى الوقت الحالي ارتبط بحسابات سياسية وإقليمية، ورغبة سعودية على ما يبدو بعدم إنشاء أي قوات أو أحزمة أمنية بالقرب من حدودها على غرار تلك التي أنشئت على امتداد المحافظات الجنوبية، وهو ما أكده قائد القوات السعودية والتحالف العربي في وادي حضرموت في وقت سابق، بقوله إن إنشاء قوة جديدة تحت مسمى "النخبة" في وادي حضرموت خيار غير صحيح، في ظل وجود وحدات جاهزة ومدربة وما زالت تمتلك السلاح الثقيل والمنشآت التي لم تتضرر من الحرب. وأخيراً، تضمن اتفاق السويد بين الحكومة اليمنية والحوثيين أن تكون مدينة سيئون، حاضرة وادي حضرموت، إحدى مناطق تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين، في إشارة إلى أنه يمكن للمدينة أن تؤدي دوراً في عملية إحلال السلام في اليمن.