العلاقات الروسية الإيرانية بمنظور إسرائيلي: تحالف أو مجرد تنسيق؟

العلاقات الروسية الإيرانية بمنظور إسرائيلي: تحالف أو مجرد تنسيق؟

02 اغسطس 2016
علاقات إيران وروسيا تتضمن مصالح مشتركة وتناقضات (صفا كراكان/الأناضول)
+ الخط -
خصص التقرير الدوري "تقديرات إستراتيجية"، الصادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عدده الأخير لجملة من القضايا، أهمها موضوع الدور الروسي في سورية والعلاقات الروسية الإيرانية، والتغييرات الجارية في حزب الله، وما سمّاه التقرير "الدور الإسرائيلي المتخيل للحرب في سورية".

ووضع رئيس المعهد، الجنرال احتياط عاموس يادلين، قراءة مستفيضة لمختلف الجوانب والأبعاد المتعلقة بالتدخل الروسي في سورية وتداعياته على الأمن الإسرائيلي، بجوانب إيجابية وأخرى سلبية، لا سيما مع إشارة مميزة إلى أن روسيا تريد الميدان السوري ودورها فيه ورقة مساومة أمام أوروبا والولايات المتحدة في حل ملفات أخرى تهم روسيا، لا سيما ملف أوكرانيا والقرم والمطالبة مقابل دورها في سورية برفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
في هذا السياق، وضع التقرير دراسة أخرى مهمة تتعلق بدور التدخل الروسي في سورية في تحسين العلاقات الروسية – الإيرانية، مع التشديد على نقاط تضاد بين الطرفين إلى جانب لقاء المصالح ومحاولة استشراف آفاق العلاقات بين موسكو وطهران، وهل تتطور إلى تحالف استراتيجي متكامل أم تبقى في حدود تنسيق تفرضه مصالح آنية وإقليمية.



يؤكد واضع الدراسة، العقيد احتياط، إفرايام قام، الذي يشغل منصب نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، أن العلاقات الإيرانية – الروسية شهدت تحسناً كبيراً وملحوظاً منذ العام 2012، تجلى بتبادل الزيارات بين كبار مسؤولي الدولتين، وفي نشاط عسكري مشترك في سورية، إلى جانب وضع خطط مشتركة لتوسيع نطاق العلاقات بين البلدين في قضايا تزويد إيران بالسلاح. مع ذلك يعتبر قام، أن وجود هذا الكمّ من المصالح المشتركة بين الطرفين ليس كافياً للتأصيل لحلف بينهما لا سيما بفعل الاختلاف بين أهداف الدولتين، والعلاقات المشبعة بالخلافات والشك بفعل اختلاف الاعتبارات الإقليمية والدولية لكل من الدولتين.

مع ذلك يقرّ قام بأن للعلاقات المتطورة بين إيران وروسيا دلالات وتداعيات سلبية على إسرائيل، مثل استعداد موسكو لتزويد طهران بسلاح متطور سيصل قسم منه في نهاية المطاف إلى حزب الله. ويرى أن سعي الدولتين إلى إضعاف التأثير والنفوذ الأميركيين في المنطقة سيخدم في نهاية المطاف المكانة الإقليمية لإيران، إلا أنه قد يكون ذا مردود إيجابي على إسرائيل، لأنه سيفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق استقرار في سورية، وضرب التنظيمات الجهادية، ويدفع روسيا في نهاية المطاف لأن تؤدي دوراً حاسماً في كبح جماح إيران ونشاطها الإقليمي.

ولا تغفل الدراسة، التي تستعرض مسيرة العلاقات بين إيران وروسيا في العقدين الماضيين لتصفها بأنها عانت من مد وجزر، أن التطور الحاصل في العلاقات نابع أيضاً بفعل الأحداث التي تعصف في منطقة الشرق الأوسط، التي تفرض تحديات ومخاطر أمنية على كل من روسيا وإيران، مما حرك عملية التقارب بين الدولتين. وفي مقدمة هذه التحديات، تأتي مخاوف الدولتين من سقوط نظام بشار الأسد بفعل الثورة السورية من جهة، والحاجة لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، حيث ترى روسيا في إيران مركز ثقل مضاد للإسلام السني الراديكالي المناهض أصلاً لروسيا من جهة ثانية. كما ساهم الاتفاق الدولي بين إيران والغرب بشأن الملف النووي في رفع أسهم إيران في نظر روسيا، لا سيما بعد الشرعية الدولية التي وفّرها لها الاتفاق.

وكما في الحالة السورية (راجع دراسة الجنرال يادلين)، فإن موسكو ترغب في التعويض على خسائرها من المقاطعة الأوروبية المفروضة عليها بفعل الملف الأوكراني، من خلال ما قد يعود على اقتصادها في حال تعاون اقتصادي مع طهران، وبيع الأخيرة أسلحة متطورة من جهة، والتلويح بالورقة الإيرانية والدور الروسي في المنطقة عبر الاستفادة المشتركة لكل من إيران وروسيا من تراجع الدور الأميركي في المنطقة، من جهة ثانية.
وتجد روسيا نفسها بحاجة للدور الإيراني في المنطقة بهدف الوصول إلى حالة استقرار تمكن من مواجهة "داعش"، وتحول دون تمدد خطره إلى دول القوقاز. كما تشترك الدولتان في موقفهما المتشكك إزاء تركيا، وفي تقاطع مصالحهما ضد المنظمات المتطرفة في أفغانستان.


لكن العلاقات بين إيران وروسيا لا تتصف فقط بتقاطع المصالح وبالأهداف المشتركة، بل إن لها جانبا آخر من التناقض الشديد في الأهداف العليا بعيدة الأمد والمرتبطة بالأهداف الكونية لكل من الدولتين على الساحة الدولية، وفي كون روسيا تملك أجندة مختلفة عن تلك الإيرانية دفعت موسكو سابقاً إلى التصويت أربع مرات في مجلس الأمن الدولي مع قرارات فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

ومثلما يشكل موضوع حماية نظام الأسد نقطة تقاطع مصالح مشتركة بين الطرفين، فإن مستقبل سورية وسبل مواجهة الثورة السورية يشكلان موضع خلاف بين الطرفين. إيران ترى أن بقاء الأسد في الحكم هو مسألة جوهرية لأن أي نظام سيأتي بعده سيكون تأثيرها ونفوذها عنده أقل. في المقابل تسعى روسيا إلى الوصول إلى تسوية وحل بالتوافق مع الولايات المتحدة، بحيث تتفق الدولتان على معالم سورية المستقبلية. وعلى الرغم من أهمية نظام سورية لروسيا، إلا أنه ليس حيوياً ويمكن الاستغناء عنه في صيغة صفقة روسية أميركية مشتركة (تكون لها انعكاساتها على أزمة القرم وملف أوكرانيا). وترى روسيا مثلاً أن أهمية الملف السوري تكمن في ضمان حرية حركتها البحرية وطريقها للمتوسط وموقعها في طرطوس، وبالتالي فهي تقبل بتسوية دولية تضمن مصالحها هذه، حتى بدون بقاء الأسد، ما دامت التسوية تحظى بشرعية دولية.

وفيما تمضي روسيا في تحسين مكانتها في سورية، سواء بفعل تدخلها العسكري حالياً، أم وفق معادلة دولية مستقبلية، فإن ذلك يلقى رفضاً واستياء من قبل إيران، لأن ما يهم الأخيرة تحديداً هو بقاء نظام الأسد كما هو، وبالتالي فإن طهران قلقة من أن تقوم موسكو بالتضحية بنظام الأسد مقابل أو ضمن صفقة دولية. كذلك، فإنه بالرغم من التعاون الروسي الإيراني في سورية، إلا أن روسيا لا تظهر ولا تبرز الدور الإيراني، وهي تعمل في قطف ثمار هذا التعاون بشكل مستقل ولصالحها، وتغطي بذلك على دور طهران، على الرغم من إعلانها التأييد لإشراك إيران بالمحادثات المتعلقة بمستقبل سورية. كما تتحفظ إيران أيضاً على قبول روسيا بإشراك دول عربية وإسلامية سنية في مفاوضات بلورة ورسم مستقبل سورية. كما تبدي إيران تحفظاً بارزاً ومعلناً على العلاقات والحوار المشترك بين روسيا وإسرائيل والتنسيق بين الطرفين في كل ما يتعلق بحركة الطيران الحربي للطرفين في الأجواء السورية، مقابل شكاوى طهران عن ضعف هذا التنسيق بين إيران وروسيا وعدم تقديم الطيران الروسي دعما لقوات الحرس الثوري الإيراني في قتالها في حلب.

الملف الثاني الذي يتفق فيه الطرفان الروسي والإيراني، بحسب الدراسة، هو تزويد إيران بالسلاح، إذ يخرج منه الطرفان رابحين، فروسيا تدعم اقتصادها، فيما تعزز إيران قوتها العسكرية إقليمياً. ويعود التعاون بين الطرفين إلى أيام الحرب الإيرانية العراقية التي فقدت فيها إيران نصف عتادها العسكري وأسلحتها المتطورة. وقد تم تنظيم علاقات تزويد إيران بالسلاح الروسي بين عامي 1989 و1991. وعلى الرغم من أن صفقات السلاح بين البلدين تراجعت مع السنين، إلا أن طهران تعتبر موسكو المصدر الأول للسلاح لها، فيما تبني روسيا على إيران كمصدر دخل يعوض بعض ما تخسره بفعل المقاطعة الاقتصادية المفروضة عليها من أوروبا والولايات المتحدة. لكن على الرغم من رغبة الطرفين في إبرام صفقة السلاح الأكبر في تاريخهما، فإن عدم التوصل إليها رغم عقد من الاتصالات والمفاوضات يشير إلى عمق الفجوة بين الطرفين بالرغم من تقاطع بعض المصالح بينهما.

وعليه يصل قام إلى الاستنتاج أنه على الرغم من تحسن العلاقات بين إيران وروسيا، واستمرار هذا التعاون مستقبلاً بين الطرفين، لا سيما في الملف السوري، إلا أن ذلك لن يحول دون نشوب خلافات بين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بمصير الأسد وطبيعة التسوية المستقبلية في سورية. ويعني هذا أيضاً، وبفعل منظومة الاعتبارات الدولية والإقليمية لروسيا، لا سيما طبيعة ومستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة والتحالف والتقاء المصالح بينها وبين دول عربية في مجال الطاقة مثل العربية السعودية ومصر ودول أخرى، أن روسيا لن تسارع في نهاية المطاف إلى رفع مستوى التعاون والتنسيق مع إيران إلى درجة تحالف متكامل، حتى تبقي لنفسها حرية الحركة والعمل في الحلبتين الإقليمية والدولية، مع الاحتفاظ بهامش من التنسيق مع طهران.