معركة إدلب: عملية تركية تكبح النظام

02 مارس 2020
تستمر موجة النزوح من تركيا نحو أوروبا (الأناضول)
+ الخط -



يتجه الشمال الغربي من سورية إلى معادلة صراع جديدة، بعد نقطة التحوّل التي شهدها ليل الخميس الماضي إثر استهداف النظام السوري للقوات التركية في إدلب ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات منها، ما دفع أنقرة إلى إطلاق عملية واسعة تحت مسمى "درع الربيع"، نجحت خلالها في كبح تقدّم قوات النظام والمليشيات الموالية له في إدلب ومحيطها، وجعلت فصائل المعارضة تستعيد المبادرة الميدانية وتسيطر على العديد من المناطق التي كانت قد سقطت بيد النظام أخيراً، لا سيما في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الشمالي. ومع مواصلة عمليتها، تحرص أنقرة على عدم التصادم مع موسكو، مع استمرار التشاور بين البلدين لعقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لبحث الملف السوري، يُتوقع أن يجري في 5 أو 6 مارس/آذار الحالي.

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، أن بلاده بدأت عملية "درع الربيع" ضد قوات النظام في محافظة إدلب، عقب الاعتداء على القوات التركية في 27 فبراير/شباط الماضي. وأوضح أكار في تصريح للصحافيين من غرفة قيادة العمليات العسكرية في ولاية هطاي، على الشريط الحدودي، أن العملية مستمرة بنجاح. وقال: "تم تحييد ألفين و212 عنصراً تابعاً للنظام السوري، وتدمير طائرة مسيّرة، و8 مروحيات، و103 دبابات، و72 مدفعا وراجمة صواريخ، و3 أنظمة دفاع جوي لغاية اليوم".
وأكد أن "لا نيّة لدينا للتصادم مع روسيا، وهدفنا هو إنهاء مجازر النظام ووضع حد للتطرف والهجرة". وأشار إلى أن بلاده تنتظر من موسكو استخدام نفوذها لوقف هجمات النظام وإجباره على الانسحاب إلى حدود اتفاقية سوتشي. وأردف: "هدفنا الوحيد في إدلب، عناصر النظام المعتدية على قواتنا المسلحة، وذلك في إطار الدفاع المشروع عن النفس".

وأكد الوزير التركي استمرار كفاح قوات بلاده المسلحة ضد أي خطر يهدد أمن الحدود والمواطنين الأتراك، مشيراً إلى أن هجمات النظام التي بدأت في مايو/أيار 2019 على إدلب، تسبّبت بمأساة إنسانية كبيرة. ولفت أكار إلى أن هجمات النظام على إدلب، ساهمت في تعاظم ظاهرة التطرف والهجرة، وأدت إلى مقتل أكثر من ألف و500 مدني وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، ونزوح مليون و335 ألفاً من ديارهم. وأردف قائلاً: "حماية حق الحياة لإخوتنا السوريين الفارين من هجمات النظام، واجبنا التاريخي والإنساني، وهدفنا الرئيسي هو إحلال الاستقرار ووقف إطلاق نار دائم". وأوضح أن قوات بلاده تواصل عملياتها في إدلب، في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات أضنة وأستانة وسوتشي. ولفت إلى أن محادثات بلاده مع روسيا بشأن تطورات الأوضاع في إدلب، مستمرة، وأن أنقرة تنتظر من موسكو الالتزام بتعهداتها ووقف هجمات النظام وإجباره على الانسحاب إلى حدود اتفاقية سوتشي.

من جهته، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، "سنقطع الأيادي الخائنة التي تمتد إلى علمنا"، وذلك في تغريدة على "تويتر" تعليقاً على عملية "درع الربيع". سياسياً، تباحث جاووش أوغلو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس، في اتصال هاتفي، في شأن التحضيرات للقاء زعيمي البلدين. وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن الوزيرين أكدا ضرورة "اتخاذ التدابير اللازمة لخلق أجواء تسهم في تعزيز الحوار حول تنفيذ الاتفاقات الداعمة للتسوية السورية، وغيرها من قضايا العلاقات الروسية التركية". وسبق أن أعلن الكرملين احتمال عقد لقاء قمة بين بوتين وأردوغان في موسكو يومي 5 أو 6 مارس/آذار، على خلفية تدهور الوضع الأمني في إدلب. كما نقلت وكالة "إنترفاكس" عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله أمس إن روسيا تأمل أن يجري رئيسا البلدين محادثات في موسكو يومي 5 و6 مارس الحالي. وأضاف أن المحادثات لن تكون سهلة لكن الزعيمين يؤكدان تركيزهما على حل الأزمة في إدلب.

ميدانياً، أسقطت القوات التركية أمس طائرتين حربيتين للنظام السوري من طراز "سوخوي 24" في إدلب، وفق إعلان وزارة الدفاع التركية، التي أوضحت في بيان أن القوات التركية دمرت 3 منظومات دفاع جوي للنظام، بينها واحدة تسبّبت في سقوط طائرة تركية مسيّرة في إدلب. واعترفت وكالة "سانا" التابعة للنظام بسقوط الطائرتين، مضيفة أن "الطيارين هبطوا بالمظلات وهم بخير". وفي تصعيد مقابل، أعلن النظام السوري أمس عن إغلاق المجال الجوي لرحلات الطائرات، ولأي طائرات مسيّرة فوق المنطقة الشمالية الغربية من سورية، خصوصاً فوق محافظة إدلب، مشيراً في بيان إلى أنه "سيتم التعامل مع أي طيران يخترق مجالنا الجوي على أنه طيران معادٍ يجب إسقاطه ومنعه من تحقيق أهدافه العدوانية". وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لا قيمة لها، إذ لا يملك النظام وسائل ردع كافية للجانب التركي، إلا أنها تُبرز فداحة خسارة قواته منذ يوم الجمعة الماضي. وأعلنت وكالة "سانا" أن قوات النظام أسقطت أمس 3 طائرات تركية مسيّرة فوق محافظة إدلب.


وبالتوازي مع العملية التركية، نجحت فصائل المعارضة في تحقيق تقدّم بدعم تركي في منطقة سهل الغاب، واستعادت السيطرة على قرى جديدة، هي: العنكاوي والقاهرة والمنصورة وتل زجرم وقليدين والمنارة، والعمقية. وأكّد مصدر عسكري من "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في الشمال الغربي من سورية، لـ"العربي الجديد"، أن المواجهات في تلك القرى أسفرت عن مقتل وجرح عشرات العناصر. وكانت فصائل المعارضة قد سيطرت مساء السبت على قرى كفرعويد وسفوهن والحلوبة في ريف إدلب، إضافة إلى الزقوم وقسطون في ريف حماة.

وذكرت مصادر محلية، أن الطائرات التركية المسيّرة قصفت أمس عشرات المواقع والمعسكرات في عمق مناطق سيطرة النظام في كل من مدينة كفرنبل، وبلدات حاس ومعرشورين وخان السبل، وقريتي معردبسة وتل مرديخ في ريف إدلب الجنوبي. كما ذكرت وكالة "الأناضول" أن مطار النيرب العسكري التابع للنظام في حلب، خرج عن الخدمة إثر استهدافه من قبل الجيش التركي.

في المقابل، عادت الطائرات الحربية الروسية لشن غارات على المنطقة، وقصفت أمس قرية تل واسط غرب حماة. كما قصفت طائرة تابعة للنظام منازل المدنيين في قرية كفرنتين بريف دارة عزة غرب حلب، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وإصابة آخرين بجراح.
من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان حدوث اشتباكات وصفها بـ"العنيفة" بين فصائل المعارضة وقوات النظام على محور مدينة سراقب وقرية آفس في ريف إدلب الشرقي، مشيراً إلى أن الطيران الروسي يساند قوات النظام، بينما تشارك القوات التركية عبر قصف مدفعي مكثف. وأشار إلى أن فصائل المعارضة استعادت خلال الأيام القليلة الماضية بإسناد تركي براً وجواً، 23 منطقة في ريفي حماة وإدلب، هي: النيرب، ومعارة عليا، وسان، وآفس، والصالحية، ومجيزر، وترنبة، وسراقب، وشابور، وجوباس، وداديخ، وكفربطيخ، وكنصفرة، والموزرة، وقوقفين، وكفرعويد، والحلوبة، والدقماق، والزقوم، وقليدين، والقاهرة، والعنكاوي والمنارة. وكانت قوات النظام قد توغّلت أواخر الشهر الماضي في منطقتي جبل الزاوية وسهل الغاب في مسعى للسيطرة على الطريق الدولي الذي يربط حلب كبرى مدن الشمال السوري بالساحل، ويبدو أن مسعاها يتعرض لصد كبير من فصائل المعارضة.

وكانت الطائرات التركية المسيّرة وراجمات الصواريخ استهدفت طوال ساعات ليل السبت-الأحد مواقع قوات النظام في أرياف حماة وإدلب وحلب. وأشارت مصادر ميدانية إلى أن الطائرات المسيّرة التركية استهدفت رتلاً قرب مدينة معرة النعمان على الطريق الدولي حلب-دمشق، وأوقعت قتلى وجرحى في صفوف تلك القوات. وذكرت وكالة "سمارت" المحلية نقلاً عن مصدر من مستشفى حماة الوطني أن النظام شيّع نحو 50 قتيلاً من عناصره بعدما سقطوا بالمواجهات مع الفصائل في محافظة إدلب.

وبحسب مصادر عسكرية في فصائل المعارضة، فإن حصيلة قتلى قوات النظام والمليشيات المدعومة من قبل إيران وروسيا خلال الأسبوع الأخير تجاورت 500 قتيل خلال المعارك الدائرة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمالي، منهم ضباط في قوات النظام برتب عالية. كما نقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر أن 21 عنصراً من المليشيات الإيرانية قتلوا نتيجة القصف التركي.

وشيّع الآلاف من مناصري "حزب الله" اللبناني أمس الأحد مقاتلين للحزب سقطوا في إدلب. ولم يتضح العدد الدقيق للقتلى، ففي حين ذكر المرصد السوري أن 14 من مقاتلي "حزب الله" قتلوا بعد ظهر الجمعة في قرية الطلحية عندما هاجمت طائرات مسيّرة تركية موقعهم، بينهم 10 مواطنين لبنانيين وأربعة من جنسيات أخرى، أصدر الحزب في وقت لاحق بياناً أدرج فيه أسماء وصور ثمانية من مقاتليه.

وتعليقاً على هذه التطورات، أوضح القيادي في فصائل المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عملية "درع الربيع" التركية تهدف إلى "فك التطويق عن نقاط المراقبة التركية في محيط محافظة إدلب، وإعادة قوات النظام إلى حدود اتفاقية سوتشي، وإعادة المدنيين بشكل آمن". وأشار إلى أن العملية تهدف أيضاً إلى تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية بإشراف تركي، مضيفاً: "قد تتبدل الأهداف حسب المواقف الدولية".