استقالة وزيرة العدل الفرنسية... الحكومة الاشتراكية بلا يسار

استقالة وزيرة العدل الفرنسية... الحكومة الاشتراكية بلا يسار

28 يناير 2016
يخشى هولاند ترشح توبيرا للانتخابات الرئاسية(ستيفان دو ساكوتان/فرانس برس)
+ الخط -
لم يشكل خبر استقالة وزيرة العدل الفرنسية، كريستيان توبيرا، أمس الأربعاء، من الحكومة الاشتراكية ليحل مكانها رئيس لجنة القوانين في مجلس النواب، جان جاك أورفواس، مفاجأة كبيرة للمتابعين للسياسية الفرنسية، إذ إن وضعية توبيرا داخل الحكومة وصلت إلى حد كبير من التناقض والتعقيد بسبب معارضتها الشديدة مشروع التعديل الدستوري، الذي اقترحه الرئيس، فرانسوا هولاند، وتنوي الحكومة تقديمه إلى البرلمان قريباً.

وكانت أصوات عدة داخل الحكومة الاشتراكية قد طالبت بإخراج توبيرا من الحكومة، ليس فقط بسبب معارضتها مشروع التعديل الدستوري، ولا سيما البند المثير للجدل المتعلق بسحب الجنسية من الفرنسيين المتورطين في أعمال إرهابية، بل بسبب إصرارها على التعبير عن هذه المعارضة في وسائل الإعلام وعدم تقيدها بسياسة الانسجام الحكومي التي تحتم على الوزراء الدفاع عن أفكار الحكومة ومسايرتها بدل الطعن فيها أمام العلن.

اقرأ أيضاً إسقاط الجنسية الفرنسية: هولاند يطيح الخط الأحمر الاشتراكي

وشكلت هذه القضية مأزقاً سياسياً مؤرقاً لهولاند الذي كان أصر على بقائها في الحكومة الحالية بعد استقالة الحكومة الاشتراكية السابقة برئاسة جان مارك إيرولت. وعلى الرغم من امتعاضه الشديد من عنادها بخصوص مشروع التعديل الدستوري فإن هولاند لم يكن يرغب في إبعادها خوفاً من تداعيات هذه الخطوة على صورة الحكومة الاشتراكية وأيضاً التأثير السلبي لعملية إبعادها على هولاند نفسه في أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة نظراً للشعبية التي تتمتع بها الوزيرة في أوساط اليسار الفرنسي.

وكان من اللافت أن هولاند وتوبيرا انتظرا حتى اللحظة الأخيرة قبل إعلان استقالة وزيرة العدل، وتحديداً قبل ساعات قليلة فقط من قيام رئيس الحكومة، مانويل فالس، بتقديم مشروع التعديل الدستوري إلى مجلس النواب والدفاع عنه في غياب وزيرة العدل، المعنية الرئيسية بتعديل من هذا النوع. وحسب مصادر مطلعة، فإن وسطاء تدخلوا لدى توبيرا لإقناعها بتقديم استقالتها والخروج من الحكومة بطريقة سلسة قبل الشروع في مناقشة مشروع التعديل الدستوري في البرلمان تفادياً للحرج ولإحداث بلبلة سياسية تُحرج الحكومة والرئاسة.  

وكان لافتاً، أيضاً، التعليق الذي كتبته توبيرا على حسابها في موقع "تويتر" بعد دقائق قليلة من صدور البيان الرئاسي الذي أعلن نبأ استقالتها والذي جاء فيه "أنا فخورة بما أنجزتُ... أحياناً المقاومة هي أن تبقى، وأحياناً يجب الرحيل وفاءً للمبادئ".
ولا شك أن توبيرا، بعدما تخلت عن منصبها، ستربح كثيراً من التعاطف داخل التيار اليساري في الحزب الاشتراكي، وفي الأوساط اليسارية الأخرى التي تنتقد أداء حكومة فالس. وكانت توبيرا الوجه اليساري الوحيد داخل الحكومة الذي يرفض التوجهات الليبرالية القريبة من الطروحات اليمينية في الاقتصاد والعدالة والتدابير الأمنية.

وعقب استقالتها، سارعت شخصيات عدة من المعارضة اليمينية التي كانت تنتقد بشدة أداء توبيرا في الحكومة الاشتراكية إلى "التنويه" بالقرار، ومنها وزير الدفاع السابق، هيرفي موران، ورئيس منطقة بروفانس ألب كوت دازور، كريستيان استروزي، والنائب إيريك سيوتيه وآخرون. وكانت توبيرا الهدف المثالي والعدو المفضل للمعارضة اليمينية منذ بدء الولاية الرئاسية الاشتراكية في العام 2012. وشنّ اليمين هجوماً عنيفاً ضد توبيرا بعد تمريرها برنامجاً لإصلاح القضاء تضمن بالخصوص إلغاء المحاكم الخاصة بالقاصرين. كما أنها كانت عرضة لهجوم عنيف من طرف خصومها خلال دفاعها عن مشروع قانون يبيح زواج المثليين. وأعربت زعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، عن ارتياحها لقرار استقالة توبيرا واعتبرت المبادرة "خبراً جيداً لفرنسا" لكون الوزيرة المستقيلة "انتهجت سياسة حكومية مدمرة في مجال القضاء".      

واشتهرت توبيرا بشخصية قوية في مواجهة الانتقادات في السنوات الأخيرة. كما أنها أشهرت دوماً استقلاليتها وإصرارها على التغريد خارج السرب الاشتراكي. وإلى جانب إلمامها الأكاديمي بالقانون والاقتصاد، تتمتع توبيرا بثقافة أدبية عميقة عكستها في خطاباتها ومداخلاتها في مجلس النواب وفي الحوارات التي كانت تدلي بها لوسائل الإعلام. وتوبيرا من مواليد عام 1952 في جزيرة "غويان" وحاصلة على شهادة دكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة السوربون. وتقلدت توبيرا مناصب عدة وكانت نائبة عن "غويان" في مجلس النواب وأيضاً نائبة في البرلمان الأوروبي. كما أنها كانت وراء إقرار قانون مثير للجدل يعتبر العبودية جريمة ضد الإنسانية في العام 2012. وتقلدت منصب وزيرة العدل في حكومة جان مارك إيرولت وحكومة فالس الأولى والثانية.

وتعرضت توبيرا خلال تقلدها منصب وزيرة العدل إلى انتقادات عنصرية عدة في وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي. وأصدر القضاء الفرنسي في العام 2014 حكماً ضد مجلة "مينوت" اليمينية المتطرفة التي نشرت غلافاً وضعت فيه صورة توبيرا مع تعليق يشبهها بقردة.  

وكانت توبيرا حققت إنجازاً سياسياً كبيراً عندما تقدمت للانتخابات الرئاسية في العام 2002 باسم حزب اليسار الراديكالي، إذ حازت يومها نسبة 2.32 في المائة في الدور الأول، واعتبرها الاشتراكيون السبب الرئيسي في تشرذم اليسار وهزيمة المرشح الاشتراكي، ليونيل جوسبان، في الدور الأول. ويجمع مراقبون على أن أشدّ ما يخشاه هولاند هو أن تترشح توبيرا للانتخابات الرئاسية في العام المقبل وتعيد تكرار سيناريو 2002. وهذا ما يفسر تمسكه بها طيلة ولايته الرئاسية لأنه كان يفضّلها داخل معسكره وليس خارجه، ولأن توبيرا ستكون من دون شك أكثر حرية وبالتالي أشد إزعاجاً ومشاكسة.

اقرأ أيضاً تعديل حكومي فرنسي وشيك: فالس باقٍ والخارجية مرشحة للتغيير

دلالات

المساهمون