تحت عنوان "سبعون عاماً على نكبة فلسطين... الذاكرة والتاريخ"، واصل المؤتمر الخامس للدراسات التاريخية، الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أعماله لليوم الثاني، بمشاركة 47 باحثاً عربياً وأجنبياً.
وحملت الجلسة الأولى عنوان "في نقد المفاهيم الإسرائيلية للنكبة"، وشارك فيها ثلاثة باحثين، إذ تناول الأستاذ في قسم الدراسات الإنسانية في جامعة فتشبرغ بالولايات المتحدة، ياسر درويش جزائرلي، موضوع "تأريخ التطهير العرقي لفلسطين.. من الإنكار إلى التعويم"، وتطرق إلى تأريخ التغيّر في تناول المؤرخين لقضية التطهير العرقي لفلسطين، مبينا أنه انتقل من إنكار الدور الصهيوني ودخل مرحلة التعويم، أي "جعل ذلك التطهير مقبولا في الغرب".
وبعد أن تناول المفردات والمصطلحات التي استخدمها المؤرخون لوصف تهجير أكثرية الفلسطينيين من أراضيهم، انتقل جزائرلي إلى محاولة المؤرخين الفلسطينيين وصحافيين غربيين محاربة الأسطورة الصهيونية حول سبب التهجير، لافتا إلى أن "الأسطورة الصهيونية تأسست على مسؤولية الحكومات العربية عن مغادرة الفلسطينيين لبلادهم، بينما كان الصهاينة يدعونهم إلى البقاء مع قيام دولة إسرائيل، وكان هدفها التغطية على التطهير العرقي، الذي جعل قيام دولة ذات أكثرية يهودية ممكنا".
وعلى الرغم من بعض النقد الموجه إلى هذه الرواية، فإن هيمنتها استمرت في الغرب، "لكن هذه الأسطورة بدأت تتصدع، مع فتح الأرشيف الإسرائيلي في ثمانينيات القرن الماضي، ونشر بعض المؤرخين الإسرائيليين نتائج بحث أظهرت كذب الرواية الصهيونية".
وقدم الباحث قراءة جديدة لدور بيني موريس في تأريخ سبب التهجير، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يعزو البعض التحولات في مواقف موريس إلى انجرافه إلى اليمين، فإن دوره كان أشدّ تعقيدا من ذلك.
وتناول الباحث في المركز العربي، محمود محارب، في دراسته، "رواية الحزب الشيوعي الإسرائيلي للنكبة: رؤية نقدية"، مؤكدا تجاهل الحزب الشيوعي الإسرائيلي الطبيعة الكولونيالية الإجلائية للحركة الصهيونية وتحالفها المتين مع الدول الاستعمارية، وتجاهل هدف الصهيونية ونشاطها لطرد الشعب الفلسطيني، وتشخيصه سعيها لإقامة الدولة اليهودية على حساب الشعب العربي الفلسطيني، مشيرا إلى تبني الحزب الشيوعي الإسرائيلي في حينها الرؤية الإسرائيلية الصهيونية لطبيعة حرب 1948، لا سيما ما يخص طرد الفلسطينيين وتحميله الضحية مسؤولية التهجير، وتجاهله الكامل للمجازر التي ارتكبت بحقهم.
وأكد انخرط أعضاء الحزب الشيوعي وأنصاره، منذ فبراير/ شباط 1948 في المنظمة العسكرية "الهاغاناه"، التي اعتبر أنها "جيش الشعب".
وقال محارب إن الحزب الشيوعي وقف إلى جانب الحركة الصهيونية والحكومة الإسرائيلية، في توسيع حدود الدولة اليهودية في المنطقة المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، وفق قرار التقسيم، ونقده الشديد للحكومة لسحبها الجيش من أراض عربية احتلها خارج المنطقة المخصصة للدولة اليهودية.
وقدم المؤرخ الفلسطيني عادل مناع "قراءة مجددة في الأدبيات التاريخية حول النكبة ومفاهيمها: نظرة من الداخل"، وعالج الأدبيات التاريخية العربية المتعلقة بالحرب في فلسطين عام 1948 منذ صدور كتاب قسطنطين زريق "معنى النكبة" إلى وقتنا الحاضر، بعد عرض نماذج لتلك الأدبيات.
وبسط مناع قراءة نقدية لبعض الروايات التاريخية الإسرائيلية والفلسطينية حول المسؤولية عن النكبة وتداعياتها، ثم قدّم رؤية مغايرة لتلك الموضوعات من الداخل؛ أي من وجهة نظر الفلسطينيين الذين ظلوا في الوطن المحتل عام 1948، وصاروا مواطنين في الدولة اليهودية.
وأوضح الباحث أن "النكبة لم تكن حدثا تاريخيا مرّ وانتهى، بل سيرورة وتجربة حياتية عاشها الباقون في شمال فلسطين حتى عام 1956 على الأقل"، مشيرا إلى أن الباحثين المؤرخين العرب "يعانون من ندرة في الأرشيفات العربية من جهة، واستمرار التعتيم على الوثائق في المواضيع "الحساسة" المتعلقة بالنكبة في الأرشيفات الإسرائيلية من جهة أخرى".
وحملت الجلسة الثانية عنوان "في تمثل النكبة فكريا وروائيا"، حيث تحدث الباحث في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة سيدني، إيهاب شلبك، "في معنى النكبة: الكارثة والخلاص في فكر قسطنطين زريق"، موضحا أن زريق نشر كتابه الشهير "معنى النكبة" في عام 1948، محاولا توصيف الزمن التاريخي العربي المنكوب وتحليله، معتبرا الكتاب من حيث هو نص "وثيقة تاريخية تعبّر عن السياق الزماني- المكاني الإشكالي لذلك المعنى"، لافتا إلى أن صياغة زريق "شكّلت لمعنى النكبة المتمحورة حول الكارثة والخلاص حافزا لنمط معيّن من الفعل الفكري والسياسي، الذي ينظر إلى الهزيمة في فلسطين على أنها صدمة للوعي العربي، من الممكن أن تحفزه على الالتحاق بالعصر والتسلح بأسلحته".
وقال إن "قسطنطين زريق حاول إنتاج حدث مطلق، ينقل التاريخ، ولكن يبحث عن الاستثناء في هذا التاريخ، فكانت النكبة عنده أزمة الطبقة الوسطى الحداثية العربية".
وقدم الأستاذ في كلية الآداب بجامعة قطر، رامي أبو شهاب، قراءة حول "التخيل والتاريخ: الروح الجمعيّة والتجليات والوظائف في رواية زمن الخيول البيضاء للروائي إبراهيم نصر الله"، واعتبرها من أهم الروايات التي تؤرخ للنكبة، لافتا إلى أنها تعمل على "تثبيت الوجود الفلسطيني ما قبل النكبة، والذي استمر ما بعدها، وتحاول الرواية تفسير كيفية الوصول إلى النكبة".
من جانبه، قال الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند مبيضين، إن قسطنطين زريق لم تكن أعماله عن النكبة أول أعماله، فقد كتب حين كان يدرس في شيكاغو محذرًا من مسألة الهجرة اليهودية لفلسطين، وأن مصير الفلسطينيين سيكون مثل مصير الهنود الحمر.
وأشار مبيضين إلى وجود مدونات كثيرة عملت على تفسير مسار ما قبل النكبة، مثل بعض أعمال غسان كنفاني.
وتناول الناقد الأدبي فخري صالح نواهضة، في ورقته، "النكبة، والرواية، وتبلور الهوية الوطنية الفلسطينية".
ويعقد المؤتمر غدا الإثنين أربع جلسات تركز على فلسطين في مشاريع بحثية، والأصداء المحلية والعربية والدولية لوعد بلفور.