اقرأ أيضاً: عكاشة شنّ هجوماً على صلاح دياب قبل تحريك قضيته
وأثناء توقف السيارات الحكومية الفارهة للتزوّد بالوقود يمكن لأي مواطن في مطاعم "أون ذا رن"، الموجودة في المحطات، أن يشاهد شخصية أو أكثر ممن يراهم على شاشات التلفاز مساءً يتحدثون كمسؤولين نافذين، وهو يتناول فاكهته المفضلة المعالجة عضوياً من إنتاج مزارع "بيكو" التي يمتلكها دياب نفسه.
أما صحيفة "المصري اليوم"، والتي أسسها دياب فهي الأكثر تأثيراً من بين الصحف المصرية الخاصة. يعمل عدد كبير من قياداتها التحريرية مستشارين إعلاميين للوزراء والمسؤولين، بل هي الصحيفة التي اختصها السيسي بنشر الحوار الصحافي الوحيد له في مصر، والمحاور كان رئيس تحريرها الأسبق ياسر رزق.
جميع هذه الوقائع تقول شيئاً واحداً؛ إن دياب ليس رجل أعمال عادياً. لم يظهر فجأة مدعوماً بأموال دولة خليجية أو مستثمرين أجانب، وليس شخصاً معروفاً بالاستثمار في مجالات محددة، بل هو رجل أعمال يملك شبكة علاقات مكنته من امتلاك العديد من الشركات والمساهمة في عدد أكبر منها، وفي جميع المجالات؛ من الزراعة إلى الأغذية المصنعة مروراً بالوقود فالإعلام.
وفي قصره بمنطقة منيل شيحة، يستضيف دياب أصدقاءه من رجال الأعمال والمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين أيضاً؛ الرجل يملك علاقات اقتصادية وطيدة مع الدولتين، وكان من أوائل رجال الأعمال المصريين المنخرطين في اتفاقية "كويز" إلى جانب وزير الرئيس المخلوع حسني مبارك، الهارب خارج مصر، رشيد محمد رشيد.
يحافظ دياب لنفسه على مساحة للتعبير عن آرائه في صحيفة "المصري اليوم"، والتي يشارك فيها رجل الأعمال والسياسي نجيب ساويرس. اختار أن تكون المساحة بعنوان "نيوتن"، وفيها يكتب، بواسطة آخرين، انطباعاته واقتراحاته. أحياناً يعارض، وأحياناً أخرى يؤيد النظام. غير أنّ السيسي ومساعديه لم ينظروا يوماً بارتياح إلى الرجل.
"علاقة دياب الوطيدة بواشنطن تقلق السلطة"، هكذا يتحدث مصدر مقرّب من رجل الأعمال، مصدوماً من تصرف الشرطة بالقبض عليه صباح أمس من منزله، ووضع القيود حول يدَيه ويدَي ابنه، وتصويره وتوزيع الصور على الصحيفة المتحدثة الآن باسم النظام، وهي "اليوم السابع".
في يوم من الأيام، كان رئيس التحرير الحالي لـ"اليوم السابع"، خالد صلاح كاتباً بالأجر في "المصري اليوم"، لكن علاقته بدياب كانت متوترة دائماً، فالأخير لا يفضل التعامل مع من لهم علاقات سرّية بالأجهزة الأمنية.
أضيفت إلى سجل اتهامات دياب تهمة جديدة، يراها المصدر المقرّب "تافهة ومصطنعة"، وهي حيازة سلاح بدون ترخيص. أما التهمة الرئيسية فهي الاستيلاء على 800 مليون جنيه من أموال الدولة في صورة أراضٍ للاستصلاح الزراعي، حصل عليها دياب من دون مزايدة وقام باستثمارها في مشروعي منتجعي "صن ست هيلز" و"نيو جيزة".
صلاح دياب رفض عرض نيابة الأموال العامة بتسوية القضية بدفع 800 مليون جنيه (أقل من 100مليون دولار)، هي حصته من المشروعين المقدّرة قيمتهما بـ4.5 مليارات جنيه مصري (أكثر من نصف مليار دولار)، وبناء على ذلك قررت النيابة التحفظ على أمواله ومنعه من السفر.
وليس من المعتاد أن تأمر النيابة بضبط وإحضار متهم في قضية مالية بعد التحفظ على أمواله ومنعه من السفر؛ فالأصل أن هذين التصرفين كافيين للاحتراز من إهداره مال الدولة أو تصرفه فيه أو هروبه من التحقيق، وخصوصاً أن دياب مثل بنفسه خمس مرّات أمام النيابة طوال الأسبوعين الماضيين.
المصدر المقرّب يعلق في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "هذه رسالة لجميع رجال الأعمال. ادفعوا وسووا قضاياكم، وإلّا فالكلابش في انتظاركم". المعلومات المتاحة تؤكّد أن بحوزة النيابة العامة أكثر من 300 قضية ضدّ رجال أعمال بارزين، معظمها قضايا استيلاء على أراضي الدولة بأقل من قيمتها الحقيقية. وفي مقدّمتهم محمد أبوالعينين، صاحب مجموعة "كليوباترا" وقناة وموقع "صدى البلد" الإلكتروني، والذي يصاحب السيسي في كل زيارة خارجية. وكذلك سليمان عامر، صاحب مشروع السليمانية، ومنصور عامر، صاحب مجموعة مشاريع "بورتو". ومحمود الجمال، صهر الرئيس المخلوع مبارك (وشريك دياب في قضيته)، ومجدي راسخ، الصهر الثاني لمبارك.
وفي هذا السياق، يقول مصدر قضائي لـ"العربي الجديد"، إن "النيابة العامة أجرت عمليات تسوية بمليارات الجنيهات خلال العام الأخير، تنفيذاً لتوجيهات عليا بإسقاط التهم بالتصالح"، مشيراً إلى أن رجال الأعمال العرب كانوا على رأس من سدّدوا مبالغ مالية لتسوية قضاياهم العالقة.
غير أنّ اختيار دياب ليكون "عبرة" بهذه الصورة المهينة يثير التساؤل. ويحاول المصدر المقرّب البحث عن إجابة قائلاً: "ليس خافياً أن دياب لم يكن على رأس المتبرعين لصندوق "تحيا مصر"، واقتصر تبرعه على ستة ملايين جنيه، وهو رقم زهيد، نصحه أصدقاؤه بزيادته، إلّا أنه رفض".
ويستطرد أن "نجاحه (دياب) في الحفاظ على علاقته بالولايات المتحدة، ومع السلطات الحاكمة في مصر على مدار السنوات الأخيرة يثير حوله شبهات عديدة. ويعتبره المقربون من السيسي متلوناً وخطراً على النظام وغير مأمون الجانب، وهاجموه في عمود (ابن الدولة) المنشور بصحيفة "اليوم السابع" قبل خمسة أشهر، كما أنه فتح صحيفته في الآونة الأخيرة لمقالات تهاجم السيسي شخصياً، وليس سياساته".
ولا يملك المصدر أو غيره ممن تحدثت معهم "العربي الجديد" معلومة جازمة من بين الاحتمالات السابقة عن سبب "غضب الدولة" على دياب، لدرجة استخدام صور القبض عليه كرسالة تخويف لبقية رجال الأعمال الخارجين عن النص، أو ممن لم يلتحقوا بـ"الاصطفاف الوطني" الذي يدعو السيسي له، أو غير المنصاعين لتعليمات السلطة، بدلاً من تطبيق القانون على الجميع سواءً بسواء.
أما الأمر الذي أجمعت عليه المصادر فهو أن رسالة النظام ليست اعتباطية، وليست موجهة لرجال الأعمال فقط، بل أيضاً للإعلام الذي وصفه السيسي منذ أيام بأنه "قطاع فيه كوارث" رغبة منه في المزيد من انبطاح الإعلام المحلي وتأييده سياساته من دون إتاحة هامش، ولو ضئيل، للانتقادات، حتى الموضوعية منها.
اقرأ أيضاً: ملامح البرلمان المصري المقبل: إلى عهد مبارك دُر