المغرب وموريتانيا... توتر محدود من الاستفزازات والتنازع على الكويرة

17 اغسطس 2016
العاهل المغربي لم يزر نواكشوط في عهد عبدالعزيز(إيفان روكوندو/الأناضول)
+ الخط -
صحيح أن التوتر الضمني سيّد الموقف في العلاقات المغربية ــ الموريتانية في الفترة الأخيرة، لكنّ مصادر متقاطعة موريتانية وأخرى مغربية مقربة من دوائر صنع القرار، تجزم لـ"العربي الجديد"، أن ما تم تناقله عبر وسائل الإعلام في الساعات الـ48 الماضية، حول حشود عسكرية من الطرفين على الحدود وأجواء ما يشبه قرب اندلاع الحرب بين البلدين الجارين، عارٍ عن الصحة. وتؤكد المصادر المتقاطعة، أن ما يحصل من الطرف المغربي هو عمليات أمنية روتينية في المنطقة الصحراوية الحدودية المعروفة بنشاط التهريب فيها، وهو ما أضيف إليه في الفترة الماضية حركة أمنية في ظروف دقيقة للمنطقة الأفريقية لناحية احتمال وجود شبكات أمنية تهدد المملكة ومنطقة الساحل الأفريقي عموماً. 

لكن على الرغم من ذلك، تشهد العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا، في الفترة الأخيرة، محطات من التوتر. أبرز دليل على ذلك يتمثل في استقبال الرئيس الموريتاني قيادات من جبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال الصحراء عن المملكة. وأتى رفع العلم الموريتاني في منطقة الكويرة الصحراوية الخاضعة للسيادة المغربية ليصب الزيت على النار، وليؤجج علاقات البلدين التي يسودها الفتور أصلاً. فالعاهل المغربي "يمتنع" عن زيارة نواكشوط منذ وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم في موريتانيا.

وتجلى "التوتر السياسي" بين الدولتين المجاورتين في استقبالات متكررة للرئيس الموريتاني قيادات البوليساريو المعادية للمغرب، وإشادته بزعيمها الراحل محمد عبد العزيز، وإرسال نواكشوط مبعوثاً رسمياً للمشاركة في جنازته، وحرصه على إقامة علاقات وطيدة مع تلك المنظمة.

ولا تُخفي الرباط حالة عدم رضاها حيال تصرفات الرئيس الموريتاني. ولم تتردد في توجيه رسالة امتعاض، حين رفض الملك محمد السادس استقبال وزير الخارجية الموريتاني، الذي جاء إلى المغرب لتسليم دعوة حضور القمة العربية التي انعقدت أخيراً في نواكشوط؛ وقد اقتصرت زيارته على لقاء مع وزير خارجية المغرب.

ومن تجليات التوتر السياسي الحاصل بين البلدين، ما حصل على هامش القمة العربية التي اعتذرت الرباط عن تنظيمها، قبل أن تحتضنها نواكشوط. فالملصقات التي روجت لهذه القمة عرضت خريطة للمغرب من دون منطقة الصحراء، وهو ما أثار سخطاً إعلامياً واسعاً في المملكة.

كذلك، وردت أنباء حول تعمد جنود موريتانيين رفع علم بلادهم في مدينة الكويرة الواقعة على تخوم الحدود بين المغرب وموريتانيا، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية مغربية غير رسمية عملاً استفزازياً غير مقبول، نظراً إلى أن الكويرة منطقة صحراوية تخضع للسيادة المغربية. تجدر الإشارة إلى أن حكومة الرباط نفت، قبل أسابيع، أن تكون السلطات العسكرية الموريتانية قد رفعت علم بلادها في الكويرة، المدينة شبه المهجورة. إلا أن الواقعة تكررت قبل أيام، عندما أكدت مصادر موريتانية متطابقة إقدام الجيش على رفع علم بلاده في المنطقة المذكورة.


وفي تحرك ساهم في تأجيج التوتر في الأيام الأخيرة، نفذت القوات المغربية عدة عمليات أمنية في مناطق حدودية مع موريتانيا، بالقرب من منطقة الكويرة. ووصفت وسائل إعلام موريتانية مقربة من الحكومة هذا التحرك باعتباره "تصعيداً عسكرياً". لكن الرباط أكدت أن الأمر يتعلق بـ"عمليات تطهيرية" في منطقة الكركارات، المحاذية للحدود بين البلدين، بهدف "الحد من أنشطة التهريب والتبادل التجاري غير المشروع التي تعرفها المنطقة"، وفق ما أعلنت السلطات المغربية. ويهدف بالتالي تواجد قوات الأمن والجمارك في تلك المنطقة إلى محاولة "تطهيرها من جميع أشكال التجارة غير القانونية وممارسيها"، بحسب سلطات الرباط، التي أكدت أن العملية أسفرت عن إخلاء ثلاث نقاط تجمع لهياكل السيارات والشاحنات المستعملة، والتي ضمت ما يزيد من 600 سيارة. وقد أوردت مصادر إعلامية موثوقة أن السلطات الأمنية الموريتانية منعت القنصل المغربي، محمد السعداوي، أخيراً، من القيام بزيارة تفقدية لمنطقة الكويرة، باعتبارها منطقة منزوعة السلاح تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة.

في هذا الصدد، قال الخبير بملف الصحراء، الدكتور خالد شيات، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الطبيعي لمدينة الكويرة هو أنها مغربية، مضيفاً أنه إذا ثبت أن موريتانيا "تتحرش بمنطقة مغربية، فإن الاتفاق المغربي-الموريتاني المبرم عام 1974، يحدد مسؤوليات كل طرف" في هذا الشأن، لكنه لفت إلى أنه "ليس هناك أي سبب لكي توقع موريتانيا نفسها في صراع مع المغرب". وأوضح شيات أنه "إذا كانت موريتانيا تريد أن تغير نسق علاقاتها مع المغرب الذي حافظت عليه منذ تأسيسها كدولة، فعليها أن تتحمل النتائج"، مشيراً إلى أن "التاريخ والجغرافيا يقولان إن الارتباط المغربي الموريتاني أكبر من أن يتغير تبعاً لنزوات سياسية هاوية" وفق تعبيره. وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن "المغرب لا يريد أن ينساق في لعبة تنسج من أطراف إقليمية معادية عقب مشروع تنمية أقاليمه الجنوبية، لكنه لن يصبر على وضع مستفز بدعم من جهات معروفة أهدافها قائمة على البلقنة"، بحسب وصفه.

وشدد شيات على أن الحل هو أن يتسع الحوار المغربي الموريتاني ليشمل البحث في التبعات والانعكاسات الاستراتيجية للمشروع القاري المغربي، في الأقاليم الجنوبية، ليكون مشروعاً للاندماج الإقليمي. لكن شيات غمز من قناة موريتانيا حين قال إن هذا البلد لا يحسب، على ما يبدو، تبعات الاتكال فقط على تأمين مصالحه من خلال التعامل مع دولة واحدة، في إشارة إلى الجزائر.

ويرى مراقبون أن العلاقات المغربية الموريتانية دخلت إلى مرحلة "الشخصنة" والحسابات الخاصة بين قائدي البلدين. فالرئيس الموريتاني يبدو ممتعضاً من عدم إدراج العاهل المغربي بلاده ضمن البلدان الأفريقية التي أطلقت فيها المملكة استثماراتها، كما أن الملك محمد السادس لم يزر أبداً نواكشوط ضمن جولاته الأفريقية المتعددة. 

وعلى الرغم من التوتر المتصاعد بين البلدين، تظهر بين الحين والآخر أصوات تدعو إلى التهدئة والتعقل، وإلى عدم الإيقاع بينهما، إذ يرفض محللون موريتانيون الحديث عن وجود "حرب صامتة" بين الدولتين، أو التنبؤ بقرب افتتاح سفارة صحراوية في نواكشوط، أو وجود قوات مغربية على الحدود.