دراسة: إنفاق لبنان على الأمن قياسي

دراسة: إنفاق لبنان على الأمن قياسي

07 نوفمبر 2018
يعمل 11% من القوة العاملة في الأمن (حسين بيضون)
+ الخط -
بعنوان "دولة العسكر اللبنانية"، قدّمت الفرنسية روزالي بيرثييه وزميلها اللبناني جورج حداد، دراسة عن حجم الإنفاق العسكري اللبناني، في قطاعات الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة. الدراسة المنشورة على موقع مركز الأبحاث "synaps" كشفت عن رضوخ الموازنة اللبنانية للإنفاق العسكري اللبناني. وفي الدراسة تجد أن "الإنفاق العسكري اللبناني بلغ في عام 2017، 16 في المائة من الموازنة السنوية، بينما بلغ 9 في المائة في الولايات المتحدة و6 في المائة في الصين و4 في المائة في فرنسا"، ما يضع لبنان على رأس الدول عالمياً في الإنفاق العسكري نسبة لحصة الإنفاق الأمني في موازنته العامة، انطلاقاً من أرقام معهد استوكهولم لأبحاث السلام "سيبري".

ووفق الدراسة، لم يقتصر الأمر على هذا الحدّ، فلبنان، الذي عانى من سوء الإدارة السياسية للبلاد منذ عام 2005 (ما زالت مستمرة)، تمكن من توفير نموّ مستديم للإنفاق العسكري، إلى حدّ مضاعفته 4 مرات في عام 2017 عن عام 2005، مع ارتفاع نسبة الإنفاق على الرواتب والرواتب التقاعدية والخدمات الشخصية الأخرى للأمنيين من 45 في المائة إلى 60 في المائة من الموازنة العسكرية. وقفزت أرقام الإنفاق العسكري من 677 مليون دولار عام 2005 إلى 2.282 مليار دولار في عام 2017. في المقابل، قفز الإنفاق على القطاع التربوي من 468 مليون دولار عام 2005 إلى 742 مليون دولار عام 2017، وفي باقي القطاعات من 364 مليون دولار عام 2005 إلى 594 مليون دولار عام 2017 (بحسب وزارة المالية).

وتمّ تعديل الموازنة بين عامي 2005 و2017، بسبب التضخم بنسبة الضعف في الميزانية العسكرية، من 1.035 مليار دولار إلى 2.282 مليار دولار. في مقابل 715 مليون دولار في عام 2015 و742 مليون دولار في عام 2017 للقطاع التربوي، و557 مليون دولار في عام 2005 و594 مليون دولار في عام 2017، في باقي القطاعات. وقارنت الدراسة الإنفاقات الضخمة بتخصيص لبنان ثلث ميزانيته السنوية لدفع فوائد الدين العام (82.5 مليار دولار في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي). وهو الثالث الأكبر في العالم، فضلاً عن تخصيص ما بين 10 و15 في المائة من الموازنة السنوية لقطاع الكهرباء المهترئ (بلغ إجمالي عجز الكهرباء المتراكم خلال 26 عاماً من عام 1992 وحتى نهاية عام 2017، 36 مليار دولار، أي حوالى 45 في المائة من إجمالي الدين العام). وفي مقارنة بين لبنان والأردن، يظهر أن لبنان يخصص 7 في المائة من الميزانية للقطاع التربوي، في مقابل 13 في المائة في الأردن (بحسب أونيسكو ومعهد باسل فليحان وسيبري).

وقارنت الدراسة بين الإنفاق الضخم والمواجهات العسكرية، فذكرت أن الجيش لم يخض سوى معركتين بين عامي 2005 و2017، في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، شمالي لبنان، بين 20 مايو/ أيار 2007 و7 سبتمبر/ أيلول منه، وفي بلدة عرسال، في منطقة البقاع، شرقي لبنان، بين 2 أغسطس/ آب عام 2014 و7 أغسطس منه، ثم عرسال في أغسطس 2017. وأضاءت الدراسة على الانتشار المسلّح لحزب الله في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، وتقديمه الدعم للجيش في بعض المعارك. ومع إعلانها أنه تمّت إزالة العديد من الثكنات ومخافر الشرطة خلال السنوات الماضية، اعتبرت الدراسة أن "الإنفاق مرتبط خصوصاً بالرواتب". وأجرت مقارنة في هذا السياق أيضاً، حول تخصيص الولايات المتحدة 60 في المائة من الميزانية العسكرية للعتاد العسكري، في مقابل 7 في المائة للبنان. وذكرت الدراسة أن "لبنان يعتمد على الدعم الخارجي من أجل تأمين العتاد، والولايات المتحدة تأتي على رأس الواهبين، بعد أن منحت عتاداً بقيمة 250 مليون دولار للبنان في عام 2017". كما تقوم الولايات المتحدة بتوجيه شحنات عسكرية عدة إلى مرفأ ومطار بيروت، ومطار حامات في الشمال اللبناني، ومطار رياق في البقاع. مع العلم أن القوات البريطانية عمدت بدورها إلى بناء العديد من الأبراج على الحدود اللبنانية ـ السورية، تحت عنوان "محاربة الإرهاب".


ومع بلوغ نسبة الرواتب 93 في المائة من الميزانية العسكرية (بحسب وزارة الدفاع الأميركية، ووزارة المالية اللبنانية، وسيبري)، فإنها تشمل امتيازات وفوائد عدة، ومنها الضمان الصحي وعطلة الأمومة، وبدل عن حالات الوفاة، بالإضافة إلى رواتب السائقين والموظفين الذين يعملون لدى الضباط ذوي الرتب العالية. واعتبرت الدراسة أن "الأمر بمثابة كرة ثلج من ناحية الإنفاق"، خصوصاً أن الكثير من المتقاعدين يتلقون رواتب عالية، ويحافظون على نمط حياة مستقرّ، قياساً إلى باقي اللبنانيين، في ظلّ الوضع الاقتصادي المزري الذي تعاني منه البلاد.

وقدم معدّا الدراسة نظرتهما للموضوع بالقول إن "مثل هذه الدراسة مؤشر على حقيقة محددة بأن القوى الأمنية اللبنانية، بمختلف أجهزتها، في غاية الأهمية اجتماعياً واقتصادياً لبيئتها. والشباب اللبناني ينتظر الوظائف الممنوحة عسكرياً وأمنياً بغية الانخراط فيها، لتأمين شبكة أمان اجتماعية في لبنان. ففي عام 2009 بلغت نسبة العاملين في القوى الأمنية 11 في المائة من مجمل القوى العاملة في لبنان (6 في المائة منهم في الجيش)، وهو رقم كبير جداً إذا ما تمّت مقارنته بفرنسا، التي يعمل 1 في المائة من قوتها العاملة في الأمن والعسكر. مع العلم أن الجيش الفرنسي هو أحد أكبر الجيوش الأوروبية". ومن الطبيعي أن العدد ارتفع أخيراً، خصوصاً مع صدور التشكيلات الأمنية والتعيينات في العامين الماضيين، بعد تأمين انتخاب رئيس جديد للبلاد، إثر تعطيل استمرّ سنتين، بين عامي 2014 و2016.

ورأت الدراسة أنه "بالنسبة لأي مراقب لبناني، فإن انتشار الحواجز الأمنية في مختلف أنحاء البلاد، هو بغرض فرض الأمن في البلاد ومنعها من الانزلاق إلى العنف، غير أنه في واقع الحال، إن انتشار الحواجز الأمنية، هو محاولة لعدم ترك معظم اللبنانيين في فقر مدقع". وطرحت الدراسة معادلة تكشف أن السياسيين غير مهتمين سوى بتأمين الوظائف لأنصارهم، بينما تبدو الولايات المتحدة والدول الأوروبية مهووسة بفكرة الاستثمار في الأمن اللبناني، لاعتبارات مرتبطة بالإرهاب وباللاجئين. وفي ظلّ هذه المعادلة من الطبيعي ألا ينتظر البلاد مستقبل مختلف عن الوضع الحالي.

أما في الجانب المظلم من الموضوع، فإن الإنفاق العسكري يسهم في بروز دولة أقرب إلى العسكريتاريا، مع توقيف العديد من النشطاء الشباب، ومحاكمتهم في المحكمة العسكرية، بسبب تظاهرات عام 2015، المُطالبة برفع النفايات من الشوارع. كما أن العديد من الأشخاص يتعرضون للتوقيف أياماً، بسبب عبارة على صفحتهم في موقع "فيسبوك" أو تغريدة على حسابهم على موقع "تويتر". وبحسب الدراسة نفسها، فإن لبنان يتجه بفعل سياسة الإنفاق العسكري من جهة، وعدم تأمين بدائل "غير عسكرية" للشباب العامل من جهة أخرى، إلى تكريس دولة أمنية، تُنشئ بفعل الفقر المدقع وغياب الخيارات العملية والفساد المستشري.