مجازر متنقلة لروسيا والنظام السوري... والكلور يضرب حلب مجدداً

19 نوفمبر 2016
من القصف العنيف في مدينة حلب (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -

واصلت الآلة الحربية الروسية، وتلك التابعة للنظام السوري، دكّ مدينة حلب وأريافها والمدن والبلدات المجاورة لها، بمختلف أنواع الأسلحة الجوية والصاروخية والمدفعية، بهدف إنهاك المدينة، والضغط على الحاضنة الشعبية لمقاتلي المعارضة فيها، وذلك عبر قصف منازلهم والبنى التحتية، وقطع خطوط الإمداد مع محافظة إدلب المجاورة لريف حلب الجنوبي الغربي، على أمل تأليب الأهالي ضد المعارضة، وتهيئة الأجواء لعملية اقتحام واسعة للمدينة المحاصرة، أو إجبار السكان والمقاتلين، على الخروج، وفق سيناريو داريا وبلدات أخرى في ريف دمشق. وتحدث شهود عيان لوكالة "فرانس برس" عن قصف هو الأعنف للمدينة منذ عام 2014.

في هذا السياق، بعد أن أخفقت قوات النظام في تحقيق تقدم في جنوبي المدينة، من ناحية حي الشيخ سعيد ليل الخميس - الجمعة، تمكنت قوات المعارضة من استعادة جميع النقاط، التي تقدمت إليها قوات النظام ليلاً، لكن الأخيرة واصلت تصعيد استهدافها الأحياء المدنية أمس الجمعة، واستخدمت غاز الكلور، مستهدفة فيه حي مساكن هنانو، الأمر الذي أدى إلى وقوع حالات اختناق في صفوف المدنيين.

وأكد ناشطون في المدينة وقوع عشرات حالات الاختناق بين المدنيين، ظهرت على أصحابها أعراض الإصابة بغاز الكلور في مساكن هنانو وأرض الحمرا. وسبق للطيران المروحي أن استهدف في سبتمبر/أيلول الماضي، حي السكري بالبراميل المحملة بالكلور، مما خلّف عشرات حالات الاختناق بين المدنيين.

وتزامنت معاودة استخدام النظام لأسلحة مزودة بغازات سامة، مع قرار مجلس الأمن الدولي فجر أمس، تمديد عمل اللجنة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، للتحقيق في استخدام هذه الأسلحة في سورية لمدة عام كامل.

ودعا مجلس الأمن إلى ضرورة "مساءلة المسؤولين عن أي استخدام للأسلحة الكيماوية من أشخاص أو كيانات أو جماعات أو حكومات"، مطالباً الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بتقديم تقرير إلى المجلس كل 60 يوماً، بشأن التقدم المُحرز في تطبيق القرار.

وكان المجلس قد قرر في أغسطس/ آب 2015، إنشاء هذه اللجنة التي تتمتع بسلطات تحديد الأفراد والهيئات والجماعات والحكومات، التي يشتبه في مسؤوليتهم عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، بما في ذلك غاز الكلور، أو أيّة مواد كيماوية سامة أخرى. كما أكد تقرير أعدته اللجنة سلم الى مجلس الأمن في 24 أغسطس/آب الماضي، تورط قوات النظام في شن هجوم بالغازات السامة على مناطق في إدلب عامي 2014 و2015.

وفي إطار القصف المستمر لليوم الرابع على التوالي، منذ بدء النظام وروسيا لحملة غارات دامية جديدة في حلب، قُتل وجرح عشرات المدنيين. فقد سقط خمسة قتلى وأصيب آخرون، جراء استهداف الطيران الحربي بصاروخ مظلي حي الصاخور، شرقي حلب، الذي تعرض أيضاً لقصف براجمات الصواريخ. كما قُتل وجرح آخرون، جراء قصف بالبراميل المتفجرة على أحياء الفردوس والحرابلة وضهرة عواد، فيما احترقت منازل عدة نتيجة القصف الجوي على حي طريق الباب.



كذلك قصفت قوات النظام بالمدفعية والصواريخ حيي الفردوس والسكري. كما استهدفت طائراته الحربية حيي الشعار وطريق الباب بالصواريخ الفراغية، فيما أكد ناشطون، مقتل مدنيين اثنين على الأقل، وجرح العشرات، إثر استهداف حي طريق الباب بالبراميل المتفجرة، مشيرين إلى وجود عشرات المدنيين العالقين تحت الأنقاض. ولم تقتصر سلسلة الغارات الوحشية أمس على بيوت المدنيين، بل تجاوزتها لقصف مرافق مدنية حيوية، تحديداً المستشفيات، إذ أكد الدفاع المدني السوري في حلب، خروج ثلاثة مستشفيات ميدانية عن الخدمة، جراء القصف العنيف الذي تتعرض له أحياء حلب، بينما اندلعت حرائق هائلة في الاحياء المحاصرة بسبب القصف، حيث تحاول فرق الإطفاء إخماد النيران في أكثر من 10 مناطق.

إلى ذلك، ذكر "مركز حلب الإعلامي" أن الطيران المروحي التابع للنظام ألقى برميلاً متفجراً على حي المعادي، بينما استهدفت مقاتلات حربية بالصواريخ الفراغية حي الشعار وحي مساكن هنانو، وذلك تزامناً مع خروج المصلين من صلاة الجمعة. وعلى الرغم من تصاعد حملة القصف الوحشي على حلب وريفها، إلا أن ذلك لم يساعد النظام ومليشياته، على إحراز أي تقدمٍ على أيٍ من الجبهات مع المعارضة السورية بمحيط حلب وشرقها.
في هذا السياق، أفادت "حركة أحرار الشام الإسلامية" أمس، عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه "تم صد محاولة المليشيات التقدم على محور حي الشيخ سعيد، واسترجاع النقاط التي تقدمت إليها، فيما تم استهداف قوات النظام المتمركزة على تلة الشيخ يوسف بصواريخ غراد".

من جهتها، أعلنت غرفة عمليات "فتح حلب"، استهداف مواقع قوات النظام ومليشياته على جبهة ضاحية الأسد وجمعية الزهراء وحلب الجديدة، غرب حلب بالمدفعية الثقيلة والهاون. بدوره، تعرّض ريف المحافظة الغربي لهجماتٍ مماثلة أوقعت قتلى مدنيين، إذ استهدفت أعنف الغارات قرية عرادة، مما أدى إلى مقتل عائلة مؤلفة من سبعة أشخاص، كما قُتلت عائلة أخرى جراء غارة جوية على قرية كفرجوم. وقد أحصى ناشطون في المحافظة سقوط أكثر من 150 قتيلاً، جراء الغارات والقصف على حلب وريفها خلال الأيام الأربعة الماضية، إلى جانب جرح المئات وتدمير ثلاثة مستشفيات في أحياء حلب الشرقية المحاصرة وريفها.

من جهته، وثق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل 1086 مدنياً بينهم 231 طفلاً دون سن الثامنة عشرة، و98 سيدة فوق سن الـ 18، إضافة إلى إصابة الآلاف بجراح متفاوتة الخطورة وفقدان العشرات، منذ انهيار الهدنة الروسية الأميركية ـ الروسية في 19 سبتمبر/أيلول الماضي.

وذكر المرصد أن "509 مدنيين، بينهم 92 طفلاً و28 امرأة، قُتلوا جراء ضربات الغارات الجوية الروسية وطائرات النظام المروحية والحربية، على الأحياء الواقعة في القسم الشرقي من مدينة حلب، فيما قتل 300 آخرون في القصف على أرياف حلب الشرقية والشمالية والغربية والجنوبية.



وطاول القصف أيضاً مدينة إدلب، إذ أغار الطيران الحربي بالصواريخ على قرية بابيلا وبلدة خان السبل في ريف إدلب الجنوبي، في حين شنت المقاتلات الحربية الروسية، غارات مكثفة على الأحياء السكنية في مدينة سراقب ومحيطها بريف إدلب، مما تسبب بجرح عدد من المدنيين.

كما شنت المقاتلات الحربية الروسية أربع غارات جوية على مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي، وقصفت بالصواريخ الفراغية محيط مدينة بنّش، بالتزامن مع قصف مدفعي للنظام السوري على محيط المدينة، فيما ألقى طيران النظام المروحي براميل متفجرة على الأحياء السكنية في مدينة خان شيخون.

وفي إطار سعيه إلى تبرير هذه الهجمات على حلب وإدلب، ادّعى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن "الهدف من الغارات التي ينفذها سلاح الجوي الروسي في سورية هو منع تسلل مسلحي داعش من الموصل إلى محافظات سورية مثل إدلب وحمص". ونفى لافروف للصحافيين في ختام اجتماع مع نظيره الأميركي، جون كيري، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (آبيك) في البيرو، قيام الطائرات الروسية بضربات جوية في شرق حلب خلال الأيام الماضية. وقال إن "قواتنا الجوية والقوات الجوية السورية لا تعمل إلا في محافظتي إدلب وحمص، لمنع مقاتلي داعش من الفرار من الموصل والدخول إلى سورية"، من دون أن يكلف الوزير الروسي نفسه عناء تفسير مصدر القصف، الذي تتعرض له يومياً مدينة حلب والذي قتل وجرح مئات الأشخاص.

وكانت وزارة الدفاع في موسكو قد ذكرت أن قاذفات استراتيجية من القوات الجوية الروسية، وجّهت الخميس ضربات بصواريخ مجنّحة إلى مواقع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" في سورية، مشيرة إلى أن "القاذفات الاستراتيجية أقلعت من أحد المطارات في الأراضي الروسية، وقطعت مسافة 11 ألف كيلومتر، ثم وجهت من الجو فوق منطقة في مياه البحر الأبيض المتوسط ضربات بصواريخ مجنحة إلى مواقع تنظيمي داعش وجبهة النصرة في سورية".

إلى ذلك، واصلت قوات النظام قصف حي الوعر، وهو المعقل الأخير لمقاتلي المعارضة في مدينة حمص، لليوم الثالث على التوالي، حيث قتل مدنيان اثنان وجرح عدد آخر جراء قصف الحي، بقذائف الهاون والأسطوانات المتفجرة. وقد ألغت "الهيئة الشرعية" في الوعر، صلاة الجمعة أمس في جميع مساجد الحي "حرصاً على سلامة المدنيين" نتيجة تصعيد القصف الذي يأتي في إطار ضغوط يمارسها النظام على الحي، للتملّص من التزاماته بالإفراج عن المعتقلين بموجب الاتفاق المبرم سابقاً مع وفدٍ يمثل أهالي الحي كان قد تفاوض مع ضباطٍ عسكريين وأمنيين من النظام. أما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، فقد قتلت أم وأطفالها الثلاثة، نتيجة قصف جوي مكثف على مدينة دوما، وتسبب في سقوط عشرات الجرحى أيضا بينهم أطفال ونساء. وكانت المقاتلات الحربية قد شنت غارات جوية على الأحياء السكنية في مدينة سقبا، مما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وجرح عشرة آخرين. يأتي ذلك بالتزامن مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام المدعومة بمليشيات أجنبية على جبهة مزارع المحمدية، وذلك في إطار محاولة من النظام التقدم في المنطقة.