أميركا تنسحب من سورية: من يملأ الفراغ؟

20 ديسمبر 2018
قوات أميركية في سورية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
مرة جديدة يؤكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على تطبيق سياساته التي أعلنها منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض، على الرغم من التداعيات الكبيرة التي تخلّفها ومحاولة مسؤولين أميركيين في إدارته كبح جماح اندفاعته. فبعد انسحابه من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، و"الميثاق العالمي حول الهجرة"، واتفاق باريس حول المناخ، وغيرها، جاء الدور هذه المرة لتنفيذ رؤيته القاضية بسحب القوات الأميركية في سورية، مع الكشف، أمس الأربعاء، عن اتخاذ إدارة ترامب قراراً بسحب هذه القوات بشكل كامل و"في أسرع وقت". وسارع الرئيس الأميركي لتبرير هذا القرار بالقول "ألحقنا هزيمة بتنظيم داعش في سورية، وهو السبب الوحيد لوجودنا هناك"، على الرغم من أن الوقائع على الأرض تفيد باستمرار وجود آلاف المقاتلين للتنظيم في سورية، مع اختلاف التقديرات حول العدد.

ومن المتوقع أن تكون لهذه الخطوة تداعيات كبيرة، أولها على حلفاء واشنطن الأساسيين، الأكراد الذين يسيطرون على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وتحديداً شرقي الفرات، حيث تتحضر تركيا لشن هجوم على الوحدات الكردية، المنضوية في صفوف "قسد" في شرقي الفرات، مع استمرارها، أمس، بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سورية. وبينما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس، نقلاً عن مصدر، أن "المسؤولين الأميركيين شرعوا في إبلاغ شركائهم في شمال شرقي سورية بخططهم"، موضحة أن الخطوة الأميركية جاءت بعد اتصال هاتفي، الأسبوع الماضي، بين ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، عقب الإعلان عن العملية التركية المرتقبة ضد الوحدات الكردية، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان نقل عمن قال إنها "مصادر موثوقة" أن القرار الأميركي شكّل صدمة كبيرة لدى قيادة قوات "قسد"، مشيرة إلى أن جهات قيادية كردية اعتبرت أن انسحاب القوات الأميركية في حال جرى، "هو خنجر في ظهر قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب".

كذلك فإن الانسحاب الأميركي سيترك الساحة فارغة لصالح روسيا وإيران وتالياً لنظام بشار الأسد، وهذه الأطراف لم تتوقف عن توجيه الانتقادات للوجود الأميركي في سورية ووصفه بغير الشرعي، وكان آخرها اعتبار الخارجية الروسية، أمس، أن الوجود الأميركي عقبة خطيرة في طريق التسوية في سورية. وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن "التلاعبات المستمرة لواشنطن مع الساسة الأكراد ذوي الميول الانفصالية أثارت قلق أنقرة بسبب التهديدات الناجمة عن هذا الأمر بالنسبة إلى الأمن القومي التركي، وحتى الآن لم يتمكن الأميركيون من إزالتها". وأوضحت زاخاروفا أنه "ونتيجة ذلك، بلغ تصعيد الأوضاع ذروته في مناطق شرق الفرات وعلى طول الحدود التركية السورية وبعض الأراضي الأخرى التي واجهت أخيراً زحف داعش، وهو ما يهدد بنشوء أزمة حادة".

كذلك يطرح قرار ترامب تساؤلات عن الدور الذي ستقوم به واشنطن في الساحة السورية مستقبلاً، لا سيما في محادثات التسوية وتوزيع النفوذ في الجغرافيا السورية، التي تبدو موسكو اللاعب الأبرز فيها، وهو الأمر الذي دفع سياسيين أميركيين لانتقاد قرار الانسحاب، ومنهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي قال، أمس، إن انسحاب القوات الأميركية من سورية سيكون خطأ، و"انتصاراً كبيراً لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا".

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، كان ترامب يروّج لضرورة سحب قوات بلاده من سورية، وحاول مسؤولون أميركيون كبار، منهم وزير الدفاع جيم ماتيس، ثنيه عن القرار، مدافعين عن ضرورة وجود لأطول مدة للقوات الأميركية في سورية، لضمان عدم عودة "داعش" للظهور. لكن ذلك لم يثن الرئيس الأميركي، فاتخذت إدارته، أمس الأول الثلاثاء، قراراً بانسحاب "كامل" من سورية "في أسرع وقت"، بحسب ما أعلن مسؤولون أميركيون، أمس، لوسائل إعلام. فيما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي لم تسمه أنه من المتوقع أن يكون الإطار الزمني لسحب القوات من سورية بين 60 و100 يوم، مضيفاً أنه سيتم "إجلاء كل موظفي وزارة الخارجية الأميركية من سورية خلال 24 ساعة". كما نقلت الوكالة عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن بلاده بدأت إعادة قوات للوطن مع انتقالها للمرحلة التالية في الحملة ضد "داعش"، موضحاً أن "الانتصارات على التنظيم في سورية لا تشير إلى نهاية التحالف الدولي أو حملته".

كذلك، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، لم تسمه، أن القرار هو من صنع ترامب الذي لطالما أشار إلى رغبته في الخروج من سورية. من جهتها، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن هذا القرار قد يضع الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط في حالة من الاضطراب. أما ترامب وفي ما بدا تبريراً لهذا القرار، كتب عبر "تويتر": "لقد ألحقنا هزيمة بتنظيم داعش في سورية، وهو السبب الوحيد لوجودنا هناك خلال رئاستي".


وبدا هذا القرار مغايراً للتحركات الأميركية خلال الفترة الأخيرة، ومفاجئاً لمسؤولين في الإدارة. فقد تم أخيراً توجيه القوات الأميركية من قبل ماتيس لإنشاء مراكز مراقبة على طول الحدود السورية التركية كجزء من الجهود الرامية إلى الحد من التوترات بين تركيا والأكراد. كما أن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد، قال قبل أيام، إن "أميركا باقية في المستقبل القريب في سورية". كذلك فإن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة نفى في الآونة الأخيرة أي تغيير في الوجود الأميركي في سورية.

ولدى الولايات المتحدة حوالي ألفي جندي على الأرض في سورية، يقومون في الأساس بتدريب قوات حليفة، لا سيما "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). لكن مصادر أخرى تتحدث عن عدد أكبر للقوات الأميركية في سورية، خصوصاً مع تعمّد القيادة الأميركية خلال الفترة الماضية عدم الكشف عن معلومات مهمة حول حجم الوجود العسكري في سورية والعراق وطبيعته. غير أن صحيفة "واشنطن بوست"، نقلت عن جنرالٍ أميركي كبير قوله إن لبلاده قوة عسكرية قوامها أربعة آلاف جندي في سورية.

وبشأن أماكن انتشار هذه القوات، تقول مصادر عدة إن توزّع القواعد الأميركية جعلها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات. وتتمركز القوات الأميركية بشكل دائم أو مؤقت في مناطق مختلفة من سورية، معظمها ضمن مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا. وحسب مصادر مقربة من المعارضة السورية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن أبرز مراكز انتشار هذه القوات هي مطار رميلان، حيث الآبار النفطية التي تخضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية". وأقامت الولايات المتحدة هذه القاعدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إضافة إلى قاعدة عين العرب الواقعة إلى الجنوب من مدينة عين العرب بالقرب من قرية خراب عشق، على بعد نحو 33 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود التركية، وهي منطقة خاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، وسبق أن اعترضت تركيا على إنشاء القاعدة في هذه المنطقة، ما دفع الولايات المتحدة لنقلها إلى قرية سبت، ذات الغالبية العربية. تضاف إلى ذلك قاعدة المبروكة، وهي معسكر صغير في قرية المبروكة، فيه قوات أميركية صغيرة الحجم غرب مدينة القامشلي، في محافظة الحسكة، ضمن مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية، ومطار روباريا الواقع قرب مدينة المالكية، شمال شرقي الحسكة، بالقرب من الحدود مع كل من العراق وتركيا، إضافة إلى قاعدتي تل بيدر، شمال غربي الحسكة، وتل أبيض.