سيناء: إجراءات عسكرية لتخفيف الخسائر

05 مارس 2020
خفف الجيش من حركة الآليات بين نقاطه(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
ظهرت على أرض العمليات في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، إجراءات عسكرية جديدة أخيراً، في أعقاب الهجمات الدموية التي ارتكبها تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، ضد قوات الجيش والشرطة، موقعاً خسائر بشرية ومادية فادحة، شملت مقتل ضباط برتب رفيعة ومجندين. ودفعت الهجمات بقيادة عمليات الجيش المصري إلى الاتجاه نحو تغيير تكتيكات الانتشار والتحرك في مناطق العمليات بسيناء، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات احترازية تقلل من حجم الخسائر في صفوف القوات والمعدات، وهي المرة الأولى التي يغير فيها الجيش المصري من استراتيجيات التعامل مع الوضع الأمني في سيناء.

وفي تفاصيل الموقف، أفادت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، أنه لوحظ في الأيام الأخيرة تغيير في الانتشار العسكري لقوات الجيش المصري في مدن محافظة شمال سيناء، في أعقاب الهجمات الدموية التي شنها تنظيم "داعش". وشملت التغييرات التخفيف الواضح من حركة الآليات بين النقاط والمواقع العسكرية، إلا في نطاق محدود وللضرورة، لتفادي تفجيرها بالعبوات الناسفة على الطرقات، وكذلك توزيع العناصر والآليات بشكل مختلف داخل الارتكازات الأمنية ومحيطها. كما تم نصب كاميرات مراقبة في عدد من الشوارع والمحاور الرئيسية، وإعلاء السواتر الرملية المحيطة بالكمائن العسكرية للتشويش على قناصة "ولاية سيناء" الذين نشطوا مجدداً خلال الأسبوعين الماضيين، وسط تحليق مستمر لطائرات من دون طيار فوق المعسكرات الرئيسية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش خوفاً من هجمات كبرى تطاولها في هذه الفترة.

وأوضحت المصادر ذاتها أن الجيش المصري بدأ يعيد حساباته في التعامل مع المتعاونين المحليين الذين يرافقون قواته في تحركاتهم، وكذلك يدخلون إلى مواقع وكمائن الجيش بكل أريحية. ويأتي تقليص عمل المتعاونين المحليين في أعقاب تكرار استهداف تنظيم "داعش" قادة عسكريين بارزين في سيناء، بناءً على معلومات دقيقة خرجت من داخل قوات الجيش حول تحركات القادة، من حيث المكان والزمان، ما سهل عملية الاستهداف من قبل التنظيم. وكان تنظيم "ولاية سيناء" أعلن أخيراً عن قتل عدد من المتعاونين مع قوات الأمن المصرية بعد اختطافهم لأيام، دون قدرة الأمن على الوصول إليهم أو حتى الاهتمام بقضيتهم، إلى أن جرى إعدامهم بشكل علني وإلقاء جثثهم.

يُشار إلى أن الجيش المصري قليلا ما يغير من استراتيجيات عمله في سيناء، مع استمرار هجمات "ولاية سيناء" للعام السابع على التوالي، موقعاً خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف الأمن المصري في كافة مدن محافظة شمال سيناء، رغم تكرار الحديث عن مطالبات من باحثين يهتمون بشؤون سيناء، بضرورة البحث عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع تنظيم "داعش" ، للتقليل من الخسائر. ولم تغير الزيارات المتكررة لقيادات عسكرية وازنة لسيناء، كقادة أركان الجيش المصري أو وزراء الدفاع أنفسهم، في المشهد، في ظل ما يجري على الأرض من عدم قدرة الجيش على حسم الموقف، أو على الأقل تخفيف حجم الخسائر الذي يكبر مع مرور الأيام.


وقال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش المصري بحاجة ماسة إلى تغيير استراتيجيات التعامل الأمني مع تنظيم "ولاية سيناء"، وهذا مطلب قديم جديد، يزداد الحديث عنه والمطالبة به مع وقوع هجمات جديدة ضد قوات الجيش والشرطة بنفس الشكل والآلية المتبعة منذ سنوات طويلة. وأضاف أنه "قليلا ما يجري التنظيم تعديلات طفيفة على هجماته، ورغم ذلك يستطيع تنفيذها بنجاح، محققاً خسائر فادحة في صفوف الأمن، وذلك ينم عن بقاء الأمن المصري على نفس الآليات المتبعة في التحرك والانتشار والارتكاز، بل إن التنظيم لا يزال يستطيع تنفيذ هجمات نوعية، من قبيل قتل قادة عسكريين، أو السيطرة على كمائن عسكرية بأكملها، بالإضافة إلى قنص عسكريين من مسافات بعيدة وإطلاق قذائف هاون ومضاد للدروع".

ويضيف الباحث، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لتواجده في سيناء، أن "الجيش المصري يعتمد على نظام الحروب النظامية والتقليدية في التعامل مع التنظيم الإرهابي في سيناء، رغم أن الواقع يستدعي، منذ سنوات طويلة، اللجوء إلى نظام حرب العصابات المسلحة والانتقال إلى المباغتة بدلاً من التمركز في نقاط محددة يسهل استهدافها من قبل التنظيم، وهذا الأمر من أبجديات العمل العسكري. وفي ظل تأكيد الفشل الذريع للنظام العسكري المُتبع في التعامل مع التنظيم الإرهابي، توجب على قيادة عمليات الجيش المصري تغيير استراتيجياتها، إلا أن ذلك لم يحصل بالشكل المطلوب، ما يدفع للتساؤل عن أهداف قيادة المؤسسة العسكرية في استمرار مشهد الهجمات الدموية ضد قوات الأمن المصري للعام السابع على التوالي، من دون الاتجاه لإيجاد تغيير حقيقي في المشهد".

ورغم الإجراءات التي اتخذها الجيش المصري، إلا أن هجمات تنظيم "ولاية سيناء" ما زالت مستمرة، في مدن رفح والشيخ زويد وبئر العبد، وفي مناطق خالية من السكان، بعد أن تم تهجيرهم مسبقاً من قبل الجيش في إطار مساعيه للحد من الهجمات. وشهدت المحافظة، خصوصاً مدينة رفح، سلسلة من الهجمات في مناطق متفرقة، أدت إلى مقتل ضابط ومجند مصريين، وإصابة آخرين. وشملت عمليات قنص وهجوم على كمين، وتفجير عبوة في سيارة إسعاف خلال نقلها المجندين المصابين، وتفجير برج إرسال للاتصالات وشبكة كهرباء، ما يشير إلى أن لدى التنظيم القدرة على التغلب على إجراءات الجيش الميدانية، ما دامت هذه الإجراءات لا تأتي ضمن تغيير حقيقي للاستراتيجيات العسكرية التي يجري تطبيقها منذ بدء العمليات العسكرية قبل سبع سنوات.

المساهمون