أما "جبل الجليد" في العلاقات السعودية الإيرانية، فقد تمثل في ما تعتبره الرياض تمدد إيران وهيمنتها على المنطقة، وتدخلها في الدول العربية بشكل مباشر وغير مباشر، إن كان من خلال وجودها على الأرض في العراق وسورية، أو دعم حزب الله في لبنان، أو الحوثيين (أنصار الله) في اليمن. وهو الأمر الذي تعتبره السعودية موجهاً ضدها بالدرجة الأولى، ويتزامن مع محاولة إيران زعزعة استقرار دول الخليج العربي، ولا سيما الكويت والبحرين، اللتين أعلنتا خلال العام الماضي، عن ضبط خلايا تجسسية وأخرى عسكرية، واتهمتا الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، بالوقوف وراءها بشكل مباشر.
عوامل القوة
اكتسب الموقف السعودي قوته من قدرة المملكة على توحيد الصف الخليجي ابتداءً في طريق عزل إيران عربياً وإسلامياً. وكانت الخطوات الدبلوماسية الكويتية والقطرية والإماراتية والبحرينية، الموازية لقطع السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران، عاملاً أساسياً في تمكّن الرياض من عزل طهران عربياً في جامعة الدول العربية. أما على مستوى العالم الإسلامي، فقد أصبح من السهل على الرياض إدانة خطوات طهران التي تصفها بالاستفزازية، استناداً إلى إدانات مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، واستثمار التحالف السعودي التركي، وعلاقات المملكة الجيدة مع باكستان. وعلى الرغم من أنّ تركيا تتمتع بعلاقات إيجابية مع إيران، إلا أنها جزء من محور يقف ضد سياساتها في المنطقة، مع السعودية وقطر، ولا سيما في سورية، الملف العالق الأهم في الإقليم.
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي انسحب من جلسة تلاوة البيان الختامي في قمة اسطنبول احتجاجاً على تضمُّنه إدانة لإيران وحزب الله، انتقد منظمة التعاون الإسلامي، معتبراً أنها "لم تؤد دورها"، وأن واجبها "تعزيز الوحدة الإسلامية". وبهذا تجنب أن ينتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتركيا، لمساندتها السعودية في استصدار إدانة منظمة التعاون الإسلامي لإيران، سيراً على النهج التركي الإيراني بتجنب تأثيرات خلافاتهما السياسية على علاقاتهما ومصالحهما الأخرى، ولا سيما الاقتصادي منها. وعلى هذا النهج أيضاً، جاءت اللقاءات التي عقدها روحاني، أمس السبت، في أنقرة، ضمن الزيارة الرسمية التي يقوم بها لتركيا لعقد الاجتماع الثالث لمجلس التعاون الاستراتيجي التركي الإيراني الأعلى.
واللافت أن عزل إيران خليجياً وعربياً وإسلامياً، يأتي في ظل انفتاح إيراني على أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية بشكل أقل، بعد توقيع الاتفاق النووي، والذي سمح لإيران بأن تكون مقبولة دولياً، ما وتّر العلاقات السعودية الأميركية.
وعلى الرغم من أن عزل إيران اليوم، سياسي في الدرجة الأولى، إلا أن تمكّن الرياض من الضغط لعزل طهران سياسياً، قد يقود إلى الدفع باتجاه عزلها اقتصادياً أيضاً، ولو على نطاق الدول، لا المنظمات، كجامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، ولا سيما الدول التي تتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع السعودية، وهي أكثر من تلك التي تجد مصالحها الاقتصادية مع إيران، التي عانت من عقوبات اقتصادية واسعة لسنوات، ما أثّر في حجمها الاقتصادي في المنطقة.
الطعن في ادعاء "تمثيل المسلمين"
تضمّن البيان الختامي للقمة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، أربعة بنود تنتقد إيران، وبنداً ينتقد حزب الله. فقد خصّ "إعلان إسطنبول" إيران، بالدعوة إلى علاقة قائمة "على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقاً لميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها". كما دان الاعتداءات الإيرانية على بعثات السعودية الدبلوماسية في مدينتي طهران ومشهد. ورفض تدخل إيران في الشؤون الداخلية للسعودية، وانتقاد الأحكام القضائية فيها. كما رفض المؤتمر "التصريحات الإيرانية التحريضية في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية، حيث إن ذلك يعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية". كما دان التدخلات الإيرانية "في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسورية والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب". والأهم في هذا البند، هو اتهام البيان لإيران، وبشكل صريح، بـ"دعم الإرهاب". أما في ما يخص حزب الله، فقد دانه المؤتمر "لقيامه بأعمال إرهابية في سورية والبحرين والكويت واليمن، ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة"، ما يعني أيضاً أن دائرة تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، جاءت هذه المرة، ولو كبند إدانة، من أكبر منظمة إسلامية.
إدانات قمة منظمة التعاون الإسلامي لإيران وحزب الله، ستطعن في ادعاءات الطرفين بتمثيل "المظلومين المسلمين" بشكل مباشر. فقد حاولت إيران، ومنذ ثورة 1979، مزاحمة السعودية على الشرعية الدينية، تلك التي اكتسبتها السعودية بالدرجة الأولى من خلال رعاية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة. لذا حاولت إيران أن تخط لنفسها مساراً آخراً يقوم على محاولة ادعاء "تمثيل المسلمين" في "مواجهة قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر" متمثلاً في الولايات المتحدة الأميركية. لذا كان الدفء الذي يصبغ العلاقات الإيرانية الأميركية، بعد توقيع الاتفاق النووي، وإدانة منظمة التعاون الإسلامي للسياسات الإيرانية في المنطقة، عاملاً آخر للقدح في ادعاءات إيران الدفاع عن "حقوق المسلمين المظلومين".
وحاولت إيران في خطاباتها لمواجهة عزلها إسلامياً، أن تضع اللوم على أمور أخرى، بعيدة عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فاعتبر مساعد وزير الخارجية الإيراني، حميد بعيدي نجاد، أن "المشكلة ليست بين السعودية وإيران، لكن المشكلة الحقيقية ترتبط بوجود التطرف والتعصب والإرهاب". لكن التصريح الأكثر بعداً عن الإشكال الحقيقي بين السعودية وإيران، جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، والذي اعتبر أن المشكلة بين إيران والسعودية ترتبط بـ"ما فعلته الرياض بحادثة مشعر منى خلال موسم الحج الماضي والتي فقد فيها مئات الإيرانيين حياتهم"، وذلك في حوار مع التلفزيون المحلي الإيراني، في محاولة لوضع اللوم على السعودية، وفي مسألة دينية، تتعلق بتنظيم الحج، بدلاً من الحديث عن الأدوار التي تؤديها طهران في المنطقة.