تفاهمات كيري-لافروف: تثبيت الستاتيكو العسكري السوري بلا اتفاق سياسي

28 اغسطس 2016
لافروف: سيتم تقديم نتائج ملموسة للتفاهمات قريباً (أندرو رينسن/Getty)
+ الخط -
لم تثمر اجتماعات الغرف المغلقة في مدينة جنيف حتى الآن، عن اتفاق روسي أميركي يتعلق بالقضية السورية، ما يؤكد وجود فارق شاسع بين الطرفين لا يزال السوريون يدفعون أثمانه الدموية، في الوقت الذي تؤكد فيه المعارضة أن لديها ثوابت "لا يمكنها القفز فوقها"، وأن أي اتفاق "لا يوافق عليه السوريون لن يُكتب له النجاح"، فيما يتوقع محللون ألا يرى أي اتفاق روسي-أميركي النور قبل مجيء إدارة أميركية جديدة.
وحاول الطرفان الأميركي والروسي مداراة الفشل بالتوصل إلى اتفاق نهائي رغم الاجتماعات المتواصلة، من خلال تجديد التأكيد على أنه ليس هناك من حل عسكري، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو دعم حليفها رئيس النظام السوري بشار الأسد لتحقيق حسم عسكري، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق.
واستمرت اجتماعات بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لعدة ساعات، خرج بعدها الوزيران ليعلنا في مؤتمر صحافي مشترك مساء الجمعة أن خبراء البلدين سيبقون في جنيف لإنهاء المسائل العالقة، وإنجاز تفاصيل الاتفاق. وقال كيري، إن "المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، سيدفع للعودة إلى المفاوضات بشأن سورية"، معتبراً أنّه "ليس هناك حل عسكري في البلاد ويجب إيجاد حل سياسي للأزمة"، وأن هناك "قضايا قليلة متبقية للتوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن سورية". وشدد كيري على أنه "يجب العمل على جعل اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية يصمد واقعياً"، لافتاً إلى أنّ نظام الأسد "يواصل الدفع باتجاه الحل العسكري واستخدام الغازات السامة، كما يشن هجمات عشوائية"، موضحاً أن "جبهة النصرة ليست طرفاً في اتفاق وقف إطلاق النار، واستهدافها مشروع".
من جهته، أشار لافروف إلى أنّه "تم الاتفاق على آلية محاسبة الأطراف التي تنتهك نظام وقف الأعمال العدائية"، مضيفاً: "سنقدّم للمجتمع الدولي في القريب العاجل نتائج ملموسة لتفاهماتنا حول سورية". وتابع: "ناقشنا تلك الأمور التي ستتيح إيجاد حلول فنية للاتفاقات المبدئية التي تم التوصل إليها في موسكو حول ضرورة تحقيق الوقف المستديم لإطلاق النار، إذ تستمر الانتهاكات من قبل كافة الأطراف، وضرورة فصل المعارضة التي انضمت إلى وقف إطلاق النار عن "النصرة" و "داعش" والإرهابيين الآخرين".
وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن الروس والأميركيين "حققوا تقدّماً بالفعل، لا سيما بشأن آليات التعاون والتنسيق بين موسكو وواشنطن في العمليات العسكرية ضد "الإرهاب" في سورية"، مشيرة إلى اتفاق الطرفين حول المسار السياسي، ما خلا الخلاف بشأن مصير الأسد، موضحة أنهما "حاولا تفادي البحث في الموضوع، وترحيله إلى المفاوضات بين السوريين".
أما المعارضة السورية، ووفق مصادر في الائتلاف الوطني السوري، تعي جيداً أن هناك متغيرات على المشهد "يجب أن تؤخذ في الحسبان، خصوصاً إثر التقارب الروسي التركي، وتفاهمات أنقرة مع طهران حول الملف السوري". وشددت المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، على أن هناك "ثوابت لدى المعارضة لا يمكن لها القفز فوقها، وفي مقدمتها رحيل الأسد وأركان حكمه عن السلطة"، مشيرة إلى أن أي حلول لا تلقى قبول السوريين "لن يُكتب لها النجاح والديمومة"، لافتة إلى أن على موسكو وواشنطن عدم تجاهل المرجعيات السياسية للثورة السورية في ذلك.
وكشفت المصادر أن الهيئة العليا للمفاوضات ستعقد اجتماعاً في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض في الثاني من الشهر المقبل لـ"وضع اللمسات الاخيرة على وثيقة سياسية تتضمن رؤيتها للحل في سورية، ستُقدّم إلى اجتماع دعت إليه لندن لمجموعة اصدقاء سورية، يُعقد في السابع من الشهر المقبل". وأعلنت المصادر أنه لا توجد "مؤشرات حقيقية" على إمكانية الدعوة لجولة جديدة من مفاوضات جنيف، مضيفة: "لم يتغير شيء على الإطلاق يدعو إلى عقد هذه الجولة، خصوصاً أن النظام ماضٍ في الخيار العسكري، وما جرى في داريا مؤشر على ذلك"، مستدركة: "إلا إذا أجبر الروس نظام الأسد على الرضوخ للقرارات الدولية، ولا يلوح في الأفق شيء كهذا"، وفق المصادر.
من جهته، رأى سفير الائتلاف السوري في روما بسام العمادي، أن تصريحات كيري ولافروف تؤكد أنهما "لم يتوصلا إلى اتفاق ويغطيان على الفشل بكلمات دبلوماسية"، معرباً في حديث مع "العربي الجديد" عن قناعته بأنه "لن يكون هناك اتفاق، لأن المصالح متضاربة بأكثر مما يسمح بالوصول لاتفاق"، مشيراً إلى أن الدخول التركي إلى سورية "عطّل كل الحسابات". وتوقّع العمادي ألا يحصل اتفاق قبل العام المقبل، معتبراً أن تنازلات الرئيس الأميركي باراك أوباما "لن تصل إلى الحد المطلوب من موسكو"، مشيراً إلى أن الأميركيين "مكتفون بإغراق الروس والإيرانيين في سورية، ويريدون زيادة الغرق".


ولا تخفي مصادر في المعارضة السورية تخوّفها من محاولات تجري من قِبل الولايات المتحدة لإبقاء الوضع في سورية على ما هو عليه، وجر البلاد إلى مصير مجهول من خلال "طبخة مسمومة" مع الروس، خصوصاً أن نظام الأسد خلق وقائع على الأرض تجعل من الصعوبة بمكان استثناءه من أي حل، وأعطى الإيرانيين والروس أكثر مما كانوا يأملونه من سورية، وسهّل لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومليشيات كردية التمدد على الجغرافية السورية التي باتت اليوم ممزقة، فيما يتواصل النزف السكاني وعمليات التغيير الديمغرافي، ليصبح أغلب السوريين اليوم إما نازحين داخل البلاد أو لاجئين خارجها.
وكان عضو الائتلاف الوطني السوري ميشال كيلو كشف في التاسع من يوليو/تموز الماضي عن وثيقة أميركية "ليست رسمية"، صدر جزؤها الأول في سبتمبر/أيلول 2015، والثاني في منتصف العام الحالي، وتؤكد الوقائع أن التفاوض الروسي الأميركي في جنيف ليس بعيداً عنها، بل ربما هي أساس هذه المفاوضات الماراثونية، ما يعني أن الأمل بالتوصل إلى حلول تنقذ سورية تلاشى أو يكاد.
وكان كيلو أشار في مقال كتبه في "العربي الجديد"، إلى أن الخطة الأميركية، وفق الوثيقة التي كتبها نواب سابقون لوزير الخارجية الأميركي، تتضمّن "التخلي التام عن جنيف ووثيقته التي أقرها الخمسة الكبار، وعن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2118 الذي يرسم آلية تنفيذ ما اتفق الخمسة الكبار عليه في جنيف، بمن في ذلك الولايات المتحدة، الدولة التي ينتسب إليها كتّاب الخطة، فلا هيئة حاكمة انتقالية ولا تراضي بين الطرفين ولا انتقال ديمقراطي". وتدعو الوثيقة إلى "الانطلاق من أولوية مطلقة، هي ضرورة وقف أعمال العنف عبر هدنةٍ تتوافق عليها روسيا والولايات المتحدة، وتلتزم بها أطراف الصراع، على أن يجري تحويلها إلى وقف إطلاق نار دائم يتيح أجواء مناسبة لبدء البحث عن حلول". كما تدعو إلى المحافظة على ما هو قائم ميدانياً من أوضاع بين الأطراف المتقاتلة، وتشمل منطقة نظام الأسد، بين دمشق والساحل مروراً بحمص ومناطق من حماة، وهي ستبقى في يده، على أن ترابط فيها قوات روسية. والمنطقة التي سيطرت عليها مليشيا الوحدات الكردية في الشمال والشمال الشرقي من سورية، والتي سترابط فيها قوات أميركية. ومنطقة سيطرة المعارضة في الشمال والجنوب، حيث سترابط في أولاهما قوات تركية، وفي ثانيتهما أردنية. أما المنطقة الخاضعة لتنظيم "داعش" فستوضع تحت إشراف دولي، بعد طرده منها، وستبقى خاضعةً للإشراف الدولي، إلى أن يتقرّر مصيرها النهائي في التسوية النهائية.
وأشار كيلو إلى أن الخطة تدعو إلى انتشار قوات دولية في مناطق مختلفة من سورية، لكي تشرف على وقف القتال وإيصال الإغاثة إلى السوريين، ريثما تتفق أميركا وروسيا على الحل النهائي الذي تقول الخطة إنه لن يستعيد دولة سورية المركزية، وسيفرض أشكالاً جديدة من الحكم والإدارة في المناطق الثلاث، على أن تكون مداولات الأطراف السورية بشأنها هي المفاوضات الجديدة التي ستقرّر مصيرها، وبالتالي، شكل الدولة السورية المقبلة، وعلاقات أطرافها وصلات مكوّنات المجتمع السوري ببعضها، وهل ستكون فيدرالية، أم إدارة ذاتية موسعة، أم لا مركزية سياسية.
واتهم كيلو الولايات المتحدة بـ"خداع المعارضة السورية"، قائلاً: "صديقنا الأميركي المخلص نجح في الضحك علينا وخداعنا طوال السنوات الخمس الماضية التي كنا خلالها في غفلةٍ أوقعتنا في حال من الغباء وسوء التقدير والفهم، ساقتنا إلى هاويةٍ تقدّم لنا الخطة بعض تفاصيلها، لن نخرج منها بما ننتهجه اليوم من سياسات ونقيمه من علاقات، ستأخذنا إلى ما بعد سورية، وليس إلى ما بعد النظام".

المساهمون