أحلام فرنسية في ليبيا

30 يوليو 2017
إعلان باريس حول ليبيا حبر على ورق(فيليب وجازير/فرانس برس)
+ الخط -
يُحسب للرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، نجاحه في جمع رئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، واللواء المتقاعد، خليفة حفتر، وإعلان عدد من المبادئ، أهمها إمكانية التوصل لانتخابات ليبية قريباً. وعلى الرغم من أن هذا الإعلان يبقى مجرد حبر على ورق، إلا أنه تجاوز اجتماعات الصور الشكلية السابقة في أبوظبي، أو حوار الرجلين عن بعد، في القاهرة أو في الجزائر.

ويبدو أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لتفاهمات دولية بين فرنسا وأطراف أخرى، من بينها الإدارة الأميركية الجديدة. لكن هذه التفاهمات ستصطدم بالحقيقة التي يحاول كثيرون تجاهلها على الأرض في ليبيا، وهي أن الإقصاء لن يكون طريقاً لأي حل أو تفاهمات. وتحاول فرنسا أن تبني مبادرتها على فكرة الشرعية، شرعية الأمم المتحدة التي يمثلها السراج، وشرعية السلاح التي يمثلها حفتر. لكن الأعمى فقط لا يرى أن شرعية السلاح في ليبيا قد تفرّق دمها بين القبائل منذ سنوات، وهي ليست حتى بيد المليشيات الكبرى التي تتحكم في هذا الجزء أو ذاك من ليبيا، وإنما تعدت ذلك إلى كل زقاق وأمير حرب في هذه الزاوية أو تلك.

ولذلك فلا يمكن أن تكون هناك شرعية حقيقية إلا إذا تم جمع السلاح الليبي، وهو ما يمر حتماً عبر مصالحة حقيقية وشاملة لا تقوم على فكرة الأمر الواقع. ويبدو أن فرنسا التي يحاول رئيسها الجديد ترتيب حضورها الدبلوماسي من جديد، قد بدأت تدرك أن مبادرتها ذاهبة إلى مأزق لا محالة. وبدأت سلسلة من المشاورات مع دول الجوار التي تعرف ليبيا أكثر من غيرها، وتمسك بخيوط على الأرض أكثر من غيرها. وبادرت وحاولت ولا تزال، وكأن فرنسا تريد تجنيد الجزائر وتونس لخدمة مبادرتها بعقلية المستعمر ذاتها، في حين أن الجاريْن لليبيا طرحا مبادرة كان يمكن دعمها ببساطة وتقويتها بغطاء ومباركة دولية كان يمكن أن تنهي الأزمة من زمان.

وما لا تدركه فرنسا كما يتبيّن، هو أن مسالك الحلول في ليبيا لا تمر بالضرورة عبر الاتفاقات الدولية والاجتماعات الكبيرة، وإنما داخل مقرات القبائل وفي عقول أعيانها ومشايخها. فكلما استبعدوا من حل، سقط. وكلما أقصوا من مبادرة، كان مصيرها الفشل. ولكن من يدري، فلعل ساكن الإليزيه الجديد قد جمع كل القبائل ونحن لا نعرف، ولعله استطاع بقدرة ساحر أن يحيّد الإيطاليين والبريطانيين من الملف الليبي. وعموماً، من حق الجميع أن يحلم، غير أن الليبيين قد سئموا من كل هذه الأحلام والأوهام التي يسطرها غرباء في منامهم، في حين أن الواقع الليبي جحيم.