رسائل إسرائيلية لحزب الله والنظام السوري

26 أكتوبر 2017
"الحاج هاشم" بحسب الصورة التي نُشرت له
+ الخط -
لم يختلف المراسلون والمحلّلون الإسرائيليون، أمس الأربعاء، في الصحف المختلفة، على أن نشر صور قائد قوات حزب الله في الجولان، "الحاج هاشم"، أو وفقاً للاسم الذي عممته إسرائيل، باعتباره هويته الكاملة، منير علي نعيم، مع نشر تفاصيل إضافية عن مكان إقامته وكونه يملك بيتاً في إحدى قرى الجنوب، وشقة أخرى في دمشق، كان بمثابة رسالة إنذار واضحة من الإسرائيليين للقائد المذكور بأنه تحت أعين إسرائيل وأنها تراقب خطواته، صغيرة كانت أو كبيرة، وأن حياة "الحاج هاشم" لن تعود كما كانت عليه قبل النشر، إذ فقد عنصر السرية، وبات شكله وهويته معروفين للجميع، سواء لجيرانه في القرية اللبنانية أم لجيرانه في دمشق.

لكن الصحافة الإسرائيلية، ويبدو أن ذلك كان مقصوداً، وهي تركز على رسائل التحذير لقادة حزب الله، وفق ما ذهب إليه يوآف ليمو في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أخفت أو تجاهلت أيضاً عن قصد الرسائل الأخرى الخفية التي سبقت رسائلها لحزب الله وللحاج هاشم. قبل نشر الصحف الإسرائيلية أمس تفاصيل متطابقة عن حياة الحاج هاشم، بيومين فقط، فاجأ وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الجميع بإعلانه خلال جلسة كتلة حزبه البرلمانية، أن الصواريخ التي أطلقت من سورية باتجاه هضبة الجولان المحتل أطلقت بأوامر مباشرة من حسن نصر الله من دون معرفة النظام السوري وبهدف توريط إسرائيل وجرّها إلى المستنقع السوري، مناشداً الجميع إبداء المسؤولية لمنع ذلك، ومطالباً قيادة القوات الروسية في سورية باتخاذ ما يلزم لمنع ذلك مستقبلاً. وقد أثار الانقلاب في موقف ليبرمان تساؤلات، خصوصاً أنه كان قد أعلن فور سقوط القذائف المذكورة، أنه يعتبر النظام السوري مسؤولاً عن كل ما يحدث في الأراضي التي يسيطر عليها. بل إن مصادر في الجيش الإسرائيلي سارعت بعد ساعات من إعلان ليبرمان إلى التسريب للصحافيين والمراسلين العسكريين أنه لا تتوفر للاستخبارات العسكرية والجيش معلومات أكيدة بنفس القطعية التي تحدّث فيها ليبرمان.

وفيما بدا أن ليبرمان يحاول النفخ في نار التوتر المشتعلة أصلاً بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، سارع وزير الأمن الإسرائيلي، عبر موظفي ديوانه، إلى التوضيح أنه كان يتحدث عن تقديراته هو، لكن لم تمضِ 48 ساعة حتى خرجت صحيفتان رئيسيتان، أمس الأربعاء، وعلى صفحاتها الأولى صور لـ"الحاج هاشم" مع تفاصيل متطابقة عن حياته ومكان سكنه ونشاطه ومكانته العسكرية في حزب الله وتحديداً في سورية.

وإذا كان هذا غير كافٍ، فإن المحلل العسكري في هآرتس، عاموس هرئيل، لفت في سياق تعليق له، أمس الأربعاء، على خطاب نتنياهو وبيانه السياسي أمام الكنيست يوم الإثنين الماضي، إلى أن الأخير يقترب على ما يبدو من القبول بتقديرات الجيش الإسرائيلي بشأن أولوية الخطر الذي يشكله الوجود الإيراني في سورية على الملف النووي الإيراني، وهو ما دفع نتنياهو إلى تصدير تهديد واضح لإيران بأن كل من يهدد وجودنا يعرض نفسه للخطر.

لكن لا يمكن فهم هذه الرسائل الإسرائيلية الموزعة على سورية (محاولات ليبرمان تخليص النظام من أي مسؤولية عن إطلاق القذائف باتجاه إسرائيل) ورسائل التهديد المباشر لقائد قوات حزب الله "الحاج هاشم" أمس الأربعاء، وتهديدات نتنياهو الصريحة لإيران، عن المسعى الإسرائيلي المتواصل منذ مطلع العام لضمان مصالح إسرائيل الأمنية في أي ترتيب قادم لسورية، بدءاً من ضمان مطالبها ومصالحها في اتفاقيات مناطق خفض التوتر، من خلال رفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري وربما السياسي لاحقاً مع روسيا.
وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل المباحثات التي أجراها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الأسبوع الماضي في تل أبيب، ومن ثم المباحثات التي أجراها ليبرمان الأسبوع الماضي مع نظيره الأميركي جيمس ماتيس، في واشنطن التي عاد منها مطلع هذا الأسبوع، ضمن محاولات إسرائيل إقناع الدول الغربية والولايات المتحدة باتخاذ خطوات فعلية ضد تمدد النفوذ الإيراني في سورية، وضد نشر قوات إيرانية هناك. 

ولعل الرسالة الخفية التي وجهتها إسرائيل للنظام عبر حلفائه الروس وأطراف أخرى، تقضي باستعداد تل أبيب لاحتمال عودة سيطرة النظام في جنوب سورية بشرط التضحية بحزب الله وإخراجه منها وخفض مستوى النفوذ الإيراني، وهي رسالة لا يستبعد أن تكون إسرائيل نقلتها لروسيا أيضاً، خصوصاً أن موسكو، ووفق تفاهمات التنسيق العسكري بينها وبين تل أبيب، لم تعترض منذ سبتمبر/ أيلول 2015 على أي ضربة وجهتها إسرائيل لحزب الله وقوافله وكوادره في سورية.

ولعله من غير المستبعد الافتراض أن تفضي الاتصالات الإسرائيلية - الروسية إلى تفاهمات إضافية بشأن تقليص النفوذ الإيراني في سورية، وتحديداً الوجود العسكري في الجنوب السوري، فتل أبيب تراهن في هذا الباب. ووفق دراسة سبق أن وضعها مركز أبحاث الأمن القومي قبل أكثر من عام، فإن وصول التحالف السوري الإيراني في سورية إلى حالة صدام مصالح بين الطرفين يدفع بروسيا إلى عدم القبول بنفوذ إيراني مطلق، وتحديد سقف لهذا النفوذ وخفضه، بعد انتهاء الحاجة للقوات الإيرانية البرية في سورية، لمنعه من الوصول حتى إلى مرحلة ينافس فيها المصالح الروسية في سورية. ويعني الرهان الإسرائيلي عملياً، وهذا هو الأهم، العمل على تعزيز التعاون بين روسيا وإسرائيل، مع عدم إهمال الدور الأميركي المتصاعد في شرق سورية عبر قوات "سورية الديمقراطية، والركون إلى أن تكون روسيا، في نهاية المطاف، وبفعل تفاهمات مع الولايات المتحدة، الطرف الذي يضع حداً للمسعى الإيراني بالوصول إلى شواطئ المتوسط، وبتكريس ممر بري يصل من طهران وحتى بيروت.

وأخيراً، ما الذي يجعل إسرائيل وقد انتقلت في العام الأخير، على الأقل، إلى سياسة المجاهرة بنشاطها وغاراتها العسكرية في سورية، فيما يدعوها وزير الأمن السابق موشيه يعالون إلى العودة للعمليات السرية، تكشف علناً عن كل ما تعرفه عن "الحاج هاشم" وتحذره عبر وسائل الإعلام ومن خلال منشور بالعربية عممه المتحدث بلسان جيش الاحتلال بالعربية، أفيخاي أدرعي، وتحذيره بأنه تحت مراقبتها؟ وهل هذا التحذير ورقة من أوراق المساومة في تفاهمات أكبر تسعى إسرائيل للتوصل إليها مع روسيا ومع النظام نفسه؟ 

دلالات
المساهمون