أزمة رئاسة إقليم كردستان العراق... نحو انتخابات برلمانية مبكرة

03 سبتمبر 2015
كل الأطراف مُجبرة على التعاون للخروج من الأزمة (Getty)
+ الخط -
لم تثمر بعد، تحرّكات الأحزاب في إقليم كردستان العراق وسلسلة اجتماعاتها ومشاوراتها على مدى أسابيع لإنهاء أزمة الرئاسة. وقبلها، كان البرلمان قد فشل في إيجاد مخرج "مقبول" للأزمة. بالتالي، باتت كل الطرق متجّهة نحو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ترسم خارطة نفوذ جديدة في الإقليم، والذي تعصف به أزمة اقتصادية، ويقاتل أبناؤه مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على جبهة طولها 1000 كيلومتر.

فبعد سلسلة اجتماعات مطوّلة للأحزاب الخمسة الرئيسية الممثّلة في البرلمان والحكومة في إقليم كردستان، اكتشف المشاركون أنّ مشاريعهم المطروحة لحلّ الأزمة يُنظر إليها من قبل المنافسين بريبة وشك، وعامل فقدان الثقة هو الذي يمنع تحقيق تقدم على صعيد حلّ الأزمة، ما دفع بالعديد من المسؤولين في الأحزاب السياسية المعنيّة، إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة للبرلمان الذي أمضى نصف دورة، وربما انتخابات ثانية لاختيار رئيس جديد للإقليم.

ومثلما قسّمت أزمة الرئاسة الأحزاب المؤتلفة في الحكومة التي عُرفت حين تشكيلها، قبل أقل من عامين، بـ"حكومة القاعدة الواسعة من المشاركة"، انقسم البرلمان على أكثر من جبهة أيضاً. الجبهة الأولى مع التمديد للرئيس الحالي مسعود البرزاني بسلطاته الحالية مدة سنتين إلى حين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة في عام 2017. أمّا الجبهة الثانية فترفض الاقتراح الأوّل، والثالثة تطلق على نفسها "الخيار الثالث"، إذ تضع قدماً مع الجبهة الأولى وأخرى مع الجبهة الثانية. وقد جسّد حزب "الاتحاد الإسلامي" ذلك "الخيار"، عندما أبدى خمسة من نوابه العشرة في البرلمان تأييدهم للفريق الأول وذهب النصف الآخر مع الفريق المنافس. 

جذور الأزمة
كان رفض مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان من خلال كتاب رسمي نشرته يوم 17 يونيو/حزيران الماضي، بمثابة دعوة وجّهها البرزاني إلى إجراء دورة جديدة لانتخابات الرئاسة في الإقليم بحجة عدم توفر الميزانية المالية المطلوبة التي قدّرتها المفوضية بمبلغ 60 مليون دولار، بالإضافة إلى عدم وجود كوادر لدى المفوضية لإجراء الانتخابات، البداية المُعلنة لأزمة الرئاسة.

ثم تلاها، قيام أربعة من الأحزاب الرئيسية في البرلمان، والتي تملك نحو نصف المقاعد بعقد جلسة برلمانية يوم 23 يونيو/حزيران، لتعلن عن مشاريع تتضمن تغيير النظام السياسي في الإقليم وتعديل قانون الرئاسة وسحب سلطات الرئيس وإقصاء البرزاني من الرئاسة وسحب حق الترشح منه في أي انتخابات مقبلة، كونه أمضى دورتين ونصف في الرئاسة. وقد أدّى هذا التحرك إلى تعقيد الصراع ونقله إلى البرلمان ومحاولة إضفاء الطابع القانوني عليه، وهو أساساً صراع سياسي.

اقرأ أيضاً: أزمة رئاسة إقليم كردستان العراق على طريق الحل

واختتم البرلمان دوره في أزمة الرئاسة يوم 20 أغسطس/ آب، عندما حاول، بعد يوم واحد من انتهاء دورة البرزاني في الرئاسة، عقد اجتماع جديد لتمرير تعديلات على قانون الرئاسة والإعلان عن إسقاط البرزاني عن كرسي الرئاسة من البرلمان. فأخفق هذا التحرك لتخرج أزمة الرئاسة من البرلمان إلى العلن، فتدخلت رئاسة الإقليم عبر تنظيم لقاءات الأحزاب الخمسة الكبار.

وتتمحور أزمة الرئاسة حول نقطتين بشكل أساسي: الأولى هي آلية انتخاب الرئيس، إذ يعتمد قانون الرئاسة الحالي على اختيار الرئيس من قبل الناخبين، لكن نحو نصف أعضاء البرلمان يريدون تغيير القانون لجعل اختياره يتمّ من قبل البرلمان، والنصف الآخر يرفض ذلك ويتمسك بالاقتراع العام في اختيار الرئيس. أما نقطة الخلاف الثانية، فهي سلطات الرئيس، وهي كثيرة وفق القانون الحالي للرئاسة. لكن الأحزاب، باستثناء "الديمقراطي الكردستاني"، (حزب الرئيس، وهو أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان، 38 مقعداً من أصل 111)، تتمسّك بسحب معظم السلطات من الرئيس، وجعل منصبه رمزياً ذا صلاحيات بروتوكولية على غرار رئيس الجمهورية في بغداد.

وكلما بدأ ممثلو الأحزاب بمناقشة واحدة من صلاحيات الرئيس، دخلوا في تفريعات للموضوع، ليتم تأجيل البحث وتبقى الأزمة على حالها. ففي نقطة آلية اختيار الرئيس، انتهت الأحزاب إلى ثلاثة خيارات من دون حسم: الأوّل أن يتم اختياره من قبل نواب البرلمان، والثاني أن يختاره الناخبون في الاقتراع العام، والخيار الثالث، إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لرسم خريطة جديدة للقوة والنفوذ في العملية السياسية واستئناف الحوارات بأدوار جديدة ومختلفة للأحزاب.

ولفت حزب "الاتحاد الإسلامي" وهو رابع الأحزاب من حيث النفوذ في البرلمان، في بيان له، إلى أنه "لم يعُد يرى وضوحاً في الأفق، وإذا استمر عقد الاجتماعات من دون تقدم، فسيكون لنا موقف آخر". وبعد سلسلة اجتماعات، كان آخرها في 30 أغسطس/آب، علّق رئيس ديوان الرئاسة، فؤاد حسين، على النتائج التي أثمرت عنها، قائلاً "إذا لم تتفق الأحزاب سيكون الخيار الوحيد، الانتخابات المبكرة".

خيار الانتخابات المبكرة
يبدو أن صورة الوضع السياسي في الإقليم ومستقبل أزمة الرئاسة فيه، باتا أكثر وضوحاً عقب الاجتماع الذي شارك فيه الرئيس البرزاني وقادة عدد من الأحزاب وسياسيين مستقلين في مقر الرئاسة، في بلدة صلاح الدين، شمال أربيل، يوم أول من أمس، الثلاثاء. فقد نقل مشاركون في الاجتماع عن البرزاني قوله إنّ "البرلمان الحالي فقد شرعيته، لأن أداء البرلمان ورئيسه كان حزبياً ولم يكن برلمانياً، ولم يتمكن البرلمان من معالجة الأزمة وإيجاد حل لها، ما يعني أن معالجة الأزمة باتت خارج البرلمان، وبالتالي لن نذهب إلى ذلك البرلمان إلى حين انتخاب دورة جديدة". يعني تصريح البرزاني انتهاء الدورة الحالية للبرلمان، وأنّ خيار الانتخابات البرلمانية المبكرة آتٍ لا محال.

ومن المقرر أن تعقد الأحزاب الخمسة الرئيسية في البرلمان اجتماعاً جديداً يوم الأحد المقبل، ويُنتظر أن يُعلن عن الذهاب إلى الانتخابات المبكرة عقب ذلك الاجتماع، في حال عدم التوصل إلى حل حول أزمة الرئاسة. وقد أبلغ البرزاني الأحزاب التي التقاها، يوم الثلاثاء، موقفه من اجتماعات الأحزاب، قائلاً، "يجب أن يكون اجتماع الأحد المقبل، الأخير، وإذا لم يتوصلوا إلى توافق فعليهم إيجاد طريق آخر واتخاذ قرار حوله".

اقرأ أيضاً شورى كردستان: بارزاني رئيساً بكامل صلاحياته لحين التوصل لاتفاق

المساهمون