أفول نجم زعماء أحزاب مغربية (2/4): حميد شباط

30 سبتمبر 2017
وصل شباط إلى قيادة الاستقلال في 2012 (فرانس برس)
+ الخط -
يعد حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، أعرق الأحزاب السياسية في البلاد، أحد القيادات الحزبية التي بدأت تتهاوى في الفترة الأخيرة، إذ فقد كثيراً من وهجه السياسي والنقابي أيضاً باعتباره زعيم نقابة الاتحاد العام للشغالين، إحدى أكبر النقابات العمالية في المملكة.

وصادف انتخاب شباط على رأس حزب الاستقلال في 2012 مرحلة ما بعد الحراك المغربي متمثلاً في حركة 20 فبراير، وتشكيل أول حكومة يقودها حزب بخلفية إسلامية هو العدالة والتنمية.

وعرف شباط زخماً وتوهجاً سياسياً لا يمكن إنكاره، بعد أن كان حزبه "رقماً صعباً" في معادلة حكومة عبد الإله بنكيران السابقة، قبل أن يفجّر شباط مفاجأة مدوية بدفع قيادة "الاستقلال" إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الحكومة بسبب خلافات مع الحزب الأغلبي حينها.

وصول شباط إلى قيادة الاستقلال في 2012، وقراره المثير بخروج حزبه إلى المعارضة في 2013، كانا سببين رئيسيين في ظهور تصدعات مؤثرة داخل الحزب أدت إلى تشكيل قياديين بارزين لتيار "بلا هوادة" يناهض قرارات وقيادة شباط.

مناهضو شباط من داخل الحزب أدوا درواً في إضعاف قوة شباط طيلة فترة خروج "الاستقلال" إلى المعارضة، إذ اتهموه بأنه أساء إلى تاريخ الحزب ورموزه، بينما هو كان يفتخر بأنه أزاح عائلة الفاسي الشهيرة من الإمساك بتلابيب الحزب منذ نشأته.

وبالرغم من أن قرار انسحاب "الاستقلال" من الحكومة كان قد اتخذه المجلس الوطني للحزب (البرلمان) بواسطة التصويت بالأغلبية، لكن كانت هناك قيادات وازنة رفضت توجه الحزب إلى المعارضة، وترك الحكومة لأحزاب جاءت خلف الاستقلال في ترتيب انتخابات 2011.

ومضى شباط ما بعد خروج حزبه إلى صفوف المعارضة يناور ويرد على قياديي تيار بلا هوادة، وخصومه من داخل الحزب الذين رفضوا الانشقاق وخلق حزب جديد، فبدأ "الضعف السياسي" يدب في شباط لتكريسه كل جهده للرد على خصومه من داخل وحتى من خارج الحزب، عوض الانكباب على تطوير أداء هيئته السياسية والتواصل مع المواطنين في الحواضر والقرى.

إثارة شباط لخصومات حادة داخل حزبه بسبب ما اعتبره كثيرون "استفراداً" بالقرار الحزبي والنقابي أيضاً، جعل أنفاس شباط تضيق بشكل تدريجي، قبل أن يفطن إلى تراجع أسهمه، ويقرر مصالحة داخلية مع عدد من مناوئيه تحت رعاية الزعيم الاستقلالي الراحل أمحمد بوستة.

وما إن التقط شباط أنفاسه بمصالحته مع مناهضي سياسته في تدبير شؤون الحزب، حتى جاء موعد حاسم للرجل، هو تنظيم الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، إذ وعد بأن حزبه سيتصدر النتائج، وإن لم يحصل ذلك سيقدم على الاستقالة.

"تسرع" شباط في ربط حزبه بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، فيما احتل الرتبة الثالثة، مبتعداً بشكل كبير عن نتائجه في انتخابات 2011. وشكلت هذه التطورات عاملاً إضافياً في تدمير ما في جعبة الرجل من رصيد سياسي وحزبي وسط مناضلي الاستقلال وأنصاره.

ومباشرة بعد "الهزيمة" التي مني بها حزب الاستقلال في تلك الانتخابات طالبه كثر الوفاء بوعده والاستقالة من زعامة الحزب، لكنه تمسك بالزعامة وأثار عليه مرة أخرى موجة من السخط والتذمر، واتهمه قياديون بأنه السبب في تراجع نتائج الحزب.

وجاءت مرحلة تشكيل الحكومة ليفجر شباط قنبلة من العيار الثقيل بتأكيده أنه كانت هناك محاولة للانقلاب على بنكيران ونتائج الانتخابات التي منحت الصدارة لحزب العدالة والتنمية، وذلك ضمن اجتماع لحزبه مع أحزاب أخرى كانت ترفض قيادة بنكران للحكومة لولاية ثانية. هذا "السرّ" جر على شباط نقمة الدولة لتتراكم المصائب على رأس الرجل، إذ اعترضت أحزاب على دخول "الاستقلال" للحكومة، بدعوى أنه حزب غير مضمون التصرفات والقرارات، بعد أن كان سيؤدي بالبلاد إلى أزمة خطيرة بانسحابه من الحكومة في نسختها الأولى.

وبعد تراكم هذه السياقات الذاتية والموضوعية التي وقفت في وجه شباط، فاقم الوضع عندما صرح في عز تشكيل الحكومة بأن موريتانيا جزء من التراب المغربي، فأثار غضب السلطات العليا التي اضطرت للاعتذار ـ بشكل ضمني ـ للرئيس الموريتاني.

وجرّت تصريحات شباط وابلاً من الانتقادات وكانت سبباً حاسماً في نهاية مسار حزبه في الحكومة، إذ "أُجبِر" بنكيران على رفض دخوله إلى الحزب رغم رغبته في مشاركة الاستقلال، وهو ما أيده سعد الدين العثماني عند تشكيله للحكومة بعد إعفاء بنكيران من قبل الملك محمد السادس.

ولما وجد شباط نفسه خارج الحكومة بسبب أخطائه في تدبير شؤون وقرارات الحزب، وتصريحاته السياسية غير محسوبة العواقب، خصوصاً في مجال السياسة الخارجية ـ المحفوظة للقصر الملكي ـ ألقى نفسه أمام أزمة كبيرة داخل حزبه.

وبعد إصرار شباط على الترشح لولاية ثانية على رأس "الاستقلال"، على الرغم من رفض أبرز القيادات التي كانت تسانده إلى وقت قريب، وجد نفسه في شبه عزلة، حتى أن إعلام حزبه الذي يقوده بات يتجاهل تغطية اللقاءات التي يحضرها، ما ينذر بنهاية حتمية لشباط سياسياً ونقابياً، بعد أن عرفت النقابة التي يقودها انشقاقاً أيضاً ضده، وصار غير مرغوب فيه داخل النقابة.

   

المساهمون