الأفغان ضحية جيشهم بعد القوات الدولية

الأفغان ضحية جيشهم بعد القوات الدولية

04 يناير 2015
توقيف عناصر من الجيش مشتبه بضلوعهم في الحادث(فرانس برس)
+ الخط -

في الساعات الأخيرة من عام 2014، وفي حين كانت القوات الأمنية الأفغانية تستعد للاحتفال بتولي كامل المسؤولية الأمنية في البلاد، كانت قبائل إقليم هلمند، جنوب أفغانستان، تنعى قتلاها جراء سقوط قذائف وصواريخ على حفل زفاف قبلي. هذا الحادث الذي تسبب في حالة من الحزن والغضب في المناطق القبلية، وُجّهت أصابع الاتهام بارتكابه إلى قوات الجيش الأفغاني، حسب مصادر قبلية متطابقة.

ففي مساء يوم الـ31 من شهر ديسمبر/كانون الأول، وتحديداً بعد صلاة العشاء، كان عشرات القبائل يشاركون في حفل زفاف قبلي في منطقة ميان رودي في إقليم هلمند، جنوب أفغانستان. وكعادة قبائل تلك المنطقة، تجمّع الرجال والنساء والأطفال أمام منزل العريس، بهدف استقبال العروسين. وفجأة وفي لحظة وصول العروسين إلى المنزل، سقطت الصواريخ والقذائف على التجمّع، لتُحوّل عيد الزفاف إلى مأتم.

الرواية الرسمية للحادث تشير إلى مقتل عشرين مدنياً وإصابة أكثر من أربعين آخرين، لكن مصادر قبلية تدّعي مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً، بينهم العروس، وإصابة نحو ستين آخرين، فيما تقول بعض تلك المصادر إن تسعة أطفال ما زالوا في عداد المفقودين.

من جهتها، سارعت الحكومة الأفغانية، بعد الإدانات الروتينية، إلى تشكيل لجنة من المسؤولين في وزارتي الدفاع والداخلية، لإجراء تحقيق في الحادث. كما أعربت الرئاسة الأفغانية، في بيان لها، عن قلقها العميق لمقتل المدنيين، موضحة أن الجيش الأفغاني يجب أن يكون واعياً لمسؤوليته تجاه المدنيين العزل، كما أوصته بتوخي أكبر قدر من الحيطة خلال العمليات ضد الجماعات المسلّحة.

وقبل وصول الوفد إلى المنطقة، أعلنت السلطات الأمنية المحلية عن توقيف ستة من عناصر الجيش الأفغاني، يشتبه بضلوعهم في الحادث.

وأشار نائب حاكم الإقليم، محمد جان رسول يار، إلى أن الأدلة تثبت تورّط الموقوفين في الحادث، لكن الحكومة تجري التحقيق لمعرفة الظروف التي وقع فيها الحادث.

وأوضح المسؤول أن مديرية سنجين، وخصوصاً المنطقة التي وقع فيها الحادث، تشهد معارك بشكل متواصل بين "طالبان" والجيش الأفغاني، لذا من الضروري معرفة الدوافع الأساسية للحادث، والظروف التي وقع فيها. ولكنه شدد على ضرورة مقاضاة من وصفهم بالجناة.

وضمن ردود الأفعال الشعبية والقبلية، نُظّمت تظاهرات في مدينة لشكر كاه، عاصمة الإقليم، طالبت القبائل، من خلالها، الحكومة باعتقال الجناة ومعاقبتهم، مع أخذ تدابير فورية لتوفير الحماية اللازمة لسكان الإقليم.

كما تنظم القبائل حالياً اعتصاماً مفتوحاً أمام مقر حاكم الإقليم، متوعّدة بمواصلته إلى أن يقوم الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي بزيارة المنطقة، ويسمع شكاوى أسر الضحايا، على غرار زيارته لإقليم بكتيا بعد الحادث الدموي الذي وقع أثناء مباراة كرة الطائرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والذي راح ضحيته عشرات المدنيين.

ويقول أحد شيوخ القبائل إن قتل المدنيين أصبح ظاهرة يومية، إذ لا يمرّ يوم واحد إلا وتُسجّل فيه حالات قتل المدنيين، وتطال كافة شرائح المجتمع نساء وأطفالاً وشيوخاً.

ويضيف الزعيم القبلي "مرة تقتلنا الجماعات المسلّحة، ومرة قوات الجيش الأفغاني، وقبل ذلك كنا هدفاً سهلاً للقوات الدولية المتمركزة في الإقليم، وبالتالي لا ندري ماذا نفعل، لكننا نطالب الرئيس الأفغاني بإجراء زيارة عاجلة للمنطقة".

من جهتها، طالبت المؤسسات الحقوقية وبعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) قوات الأمن الأفغانية بتوخي الحذر والحيطة أثناء العمليات العسكرية. وأعربت البعثة عن قلقها حيال ارتفاع وتيرة قتل المدنيين في الآونة الأخيرة.

كذلك وصل وفد من البرلمانيين الأفغان، مساء الجمعة، إلى إقليم هلمند، بهدف زيارة أسر الضحايا، لكنه لم يتمكن من زيارة مديرية سنجين، بسبب الوضع الأمني والمعارك الدائرة هناك بين مسلحي "طالبان" والجيش الأفغاني.

أما حركة "طالبان أفغانستان"، فقد استغلت الفرصة للقيام بحملة إعلامية ضد الحكومة والجيش الأفغاني. وقال المتحدث باسم "طالبان"، قاري يوسف، إن الحركة تدين وبشدة قتل المدنيين بيد الجيش الأفغاني، وإن قيادة الحركة تألمت بالحادث المحزن للغاية.

وعلى الرغم من أن قبائل المنطقة ومسؤولين في الجيش الأفغاني يعترفون بأن عناصر في الجيش الأفغاني قاموا بقصف حفل الزفاف، غير أن مصدراً قبلياً يقول إن الحادث وقع أثناء تبادل إطلاق النار بين المسلّحين والجيش. من هنا باتت التحقيقات النزيهة هي الحل للوصول إلى مرتكبي الجريمة. لكن من الصعب جداً إجراء تحقيق في حادث وقع في منطقة قبلية نائية، تشهد معارك بشكل متواصل.

وكان حادث مماثل قد وقع في منطقة ساروان بالإقليم نفسه في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي وأسفر عن مقتل ثمانية مدنيين وإصابة عدد آخر بجروح. وكانت الحكومة الأفغانية قد وعدت آنذاك بإجراء تحقيق في الحادث ومعاقبة الجناة، ولكن مع مرور اليوم أصبحت الوعود الحكومية بمعاقبة الجناة مجرد حبر على ورق.

وبينما تقول بعثة الأمم المتحدة إن ثمانية آلاف مدني سقطوا بين قتيل وجريح خلال العام الماضي، بسبب أعمال العنف المتواصلة، تؤكد مؤسسة حقوق الإنسان أن 600 مدني قُتلوا في أعمال عنف شهدها إقليم هلمند خلال العام المنصرم.

وقال مسؤول مؤسسة حقوق الإنسان في الإقليم، بلال أحمد صديقي، إن نسبة حالات قتل المدنيين قد ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة خمسين في المائة، مقارنة بعام 2013، مشيراً إلى أن معظم حالات قتل المدنيين بسبب الألغام المزروعة على جوانب الطريق، وسقوط الصواريخ على المنازل القبلية، والتي تقع عادة خلال المعارك بين "طالبان" والجيش الأفغاني.

المساهمون