تطبيق الشريعة دستورياً في الكويت... طريق مسدود أمام الإسلاميين

20 فبراير 2017
النواب السلفيون يريدون قوانين مطابقة للشريعة(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تسبب إعلان النائب السلفي المستقل في مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، محمد هايف المطيري، جمع التواقيع اللازمة لاقتراح تعديل المادة 79 من الدستور لكي تكون القوانين المشرعة موافقاً عليها من الشعب والأمير ومطابقة للشريعة الإسلامية، بإعادة الجدل حول تطبيق الشرعية في الكويت ومدى "إسلامية" الدستور. وفاجأ المطيري الكويتيين أثناء جلسة الرد على الخطاب الأميري في مجلس الأمة حين دعا إلى تعديل المادة 79 من الدستور الكويتي واستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية. وقال "إن هذا التعديل لنص المادة 79 ينفي جميع الشبهات التي أثيرت حول تعديل المادة الثانية في ما سبق، وليس لأحد عذر اليوم في ألا يوافق على هذا التعديل أو لا يقره، والموافقة على هذا التعديل هي موافقة على الشريعة الإسلامية، وإبراء لله عز وجل وللذمة أمامه"، وفق تعبيره. وأضاف "الدستور ليس قرآناً لا يجوز تعديله بل الأمم عدّلت دساتيرها تعديلات متتالية وهناك دول عدلت دساتيرها كلياً فلكل عصر مستجدات وحاجة للنظر في الدستور"، على حد قوله.

ووافق 25 من أصل 50 نائباً في مجلس الأمة حتى الآن على طرح القانون للتعديل، فيما تصدى نواب ووزراء له، مؤكدين أن التعديل يتعارض مع مدنية الدولة، ويؤدي إلى الدخول في متاهات سياسية كبيرة. وقال النائب في مجلس الأمة، عمر الطبطبائي لـ"العربي الجديد" إن "طرح القانون يسبب مشكلات كبيرة بالإضافة إلى أننا في الكويت نعد دولة مدنية والتعديل المزعوم يتعارض مع كون الدولة دولة مدنية وتوقيت طرحه غريب إذ إن (النائب) محمد هايف المطيري لم يتقدم بطلب إلى اللجنة التشريعية أصلاً حول هذا القانون ولدينا أولويات أهم من هذا القانون وسبق أن تم رفض هذا القانون من قبل الأمير"، وفق تعبيره. وسبق للمطيري أن قدم هذا القانون مع 31 نائباً في مجلس عام 2012، لكن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، رد القانون ورفض تمريره آنذاك.

وتصاعدت حرب البيانات بين كافة التيارات السياسية المؤيدة والمعارضة لهذا التعديل. وأصدرت التيارات الليبرالية والوطنية واليسارية بيانات رفض وانتقاد للتعديل، واصفة ما يجري بمحاولة فرض "هيمنة الرجعية" على الكويت. وقال "التيار التقدمي الكويتي"، وهو تيار يساري، في بيان له إن "القانون من شأنه عملياً في حال إقراره إلغاء الطابع المدني للدولة الكويتية والعمل على تحويلها إلى دولة دينية، وهو المشروع الذي ابتليت به عدد من البلدان والشعوب العربية وذاقت من ويلاته جراء التطرف والتزمت والتضييق على الحريات وخصوصاً الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد، والوصاية على حياة الناس والتدخل في شؤونهم الخاصة واختياراتهم ونوعية حياتهم، وكذلك تقييد لحرية التعبير وللإبداع الفني والثقافي"، بحسب موقف "التيار التقدمي".


ورأى "التحالف الوطني الديمقراطي"، وهو تحالف ليبرالي ينتمي له رئيس مجلس الأمة الحالي، مرزوق الغانم، أن "التعديل المزمع تقديمه يمثل انتكاسة خطيرة للديمقراطية والدولة المدنية". واعتبر في بيان له أن "الدستور الحالي لا يمنع من تشريع قوانين وفق الشريعة الإسلامية ولكنه لا يفرض هذه الضوابط بقوة الدستور نظراً لطبيعة المجتمع متعدد الأطياف والمذاهب"، بحسب البيان.

في المقابل، ردت التيارات الإسلامية الكويتية المؤيدة للتعديلات الدستورية ببيان مشترك جاء فيه: "نثمن المبادرة الإيجابية للنائب محمد هايف المطيري وبقية إخوانه النواب على دعمهم لتعديل هذه المادة، مما سيدفع عجلة التقدم في البلاد ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة". وأضاف البيان الذي وقعته تسعة تيارات إسلامية من بينها "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس) الجناح السياسي للإخوان المسلمين في البلاد، أن "هذا التعديل يتوافق مع ما جاء في المادة الثانية من الدستور الكويتي، والتي تنص على أن دين الدولة الإسلام وأن الشريعة مصدر أساسي من مصادر التشريع".

وقال مصدر مطلع من داخل "الحركة الدستورية الإسلامية" لـ"العربي الجديد" إن نواب الحركة يشعرون بأنهم زُجوا وسط معركة خاسرة من قبل حلفائهم الإسلاميين المستقلين الذين ليس لديهم أي شيء ليخسروه، على حد وصفه. وأضاف المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "(النائبين السلفيين المستقلين) محمد هايف المطيري، ووليد الطبطبائي، ليس لديهما أي شيء ليخسراه حرفياً، إذ إنهما لا ينتميان لأي تيار أو حزب سياسي ومقاعدهما النيابية مضمونة بسبب شعبيتهما في دوائرهما وقاعدتهما الانتخابية هي التي ترغب بتطبيق الشريعة على عكسنا نحن الذين نعتمد على قواعد متنوعة ومختلفة وندخل في سلسلة التشابكات والتعقيدات الانتخابية"، وفق تعبيره.

وكانت الحكومة الكويتية في عهد أمير البلاد السابق، الشيخ جابر الأحمد الصباح، أنشأت اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عام 1991، بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي بأشهر قليلة، ووفق مرسوم أميري خاص. وتهدف اللجنة التابعة للديوان الأميري الكويتي، إلى أسلمة القوانين الكويتية وتحديداً قوانين المصارف والمعاملات المالية ومحاولة تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدريج. وتعرضت اللجنة عام 2016 إلى إعادة هيكلة، إذ قامت الحكومة باستبدال أعضائها المنتمين لتيارات إسلامية كانت تقاطع العملية السياسية آنذاك، بآخرين موالين لها. لكن المراقبين السياسيين يقولون إن دورها استشاري فقط، إذ يتم وضع الأشخاص "المرضي عنهم" لحيازة امتيازات مالية دون أي عمل يذكر. وعلى الرغم من وجود هذه اللجنة فإن القيادة السياسية في الكويت ترفض رفضاً قاطعاً ونهائياً الموافقة على تعديل المادة 79 من الدستور. ويسمح القانون الكويتي للأمير برد القوانين التي يوافق عليها المجلس في المداولة الأولى إذا رأى أنها قد تضر البلاد.

في هذا السياق، قال المحامي والخبير القانوني، عمر الروقي، لـ"العربي الجديد" إنه "لو تم تعديل المادة 79 من الدستور وفق ما تطلبه بعض التيارات، سيعني ذلك تفريغ الدستور الكويتي من محتواه حرفياً". وأضاف أن "المحكمة الدستورية التي يتم الرجوع إليها للاحتكام حول صلاحية قانون ما من القوانين (كانت) ستكون مجرد محكمة ورقية، إذ سيتم إنشاء محكمة فقهية تكون فوق المحكمة الدستورية للرجوع في القوانين المختلف فيها". وتابع أنه "هنا تكمن المشكلة الحقيقية إذ على أي مذهب فقهي أو تأويل تفسيري ستحكم المحكمة أو سيعيّن قضاتها، خصوصاً أن الانضباط الشرعي في المسائل الفقهية صعب جداً حيال مسائل دقيقة مثل القانون، وذلك بسبب تعدد المذاهب الفقهية والتأويلات للنصوص على عكس مدارس القانون الثابتة والواضحة"، وفق تعبيره.

وتلقى الكويتيون السجال بشأن تعديل المادة 79 في هذا الوقت بمزيج من الحيرة والتساؤل. ويرون أن هناك أولويات تتجاوز العودة إلى هذا النقاش القديم. وقال الطالب الجامعي، محمد عدنان الفودري، لـ"العربي الجديد": "أنا إسلامي لكنني أؤمن أن هناك قضايا أهم بكثير جداً من هذا التعديل الذي سترفضه الحكومة أصلاً، وقد تحل مجلس الأمة من أجله ونعود للمربع الأول، هناك قضايا الحريات وسحب الجنسيات والإيداعات المليونية والفساد المتفشي في الدولة، كل هذه الأمور أهم من المعارك الانتخابية التي يطرحها النواب الذين انتخبناهم"، على حد قوله.

دلالات