الشفافية المفقودة في اليمن نصرة لأصحاب المصالح

الشفافية المفقودة في اليمن نصرة لأصحاب المصالح

04 ابريل 2016
الهدر في الموازنة العامة للدولة (الأناضول)
+ الخط -
لا يعرف المواطن اليمني شيئاً عن الموازنة العامة لبلاده. يدفع فواتير خدمات ضعيفة وضرائب متعددة الأوجه، ولا ينعكس ذلك على وضعه المعيشي. في المقابل تكتفي الحكومة بتقديم موازنتها السنوية إلى مجلس النواب لإقرارها، وتعتبر حصولها على موافقة البرلمان إفصاحاً للجمهور. فالبرلمان لا يملك قرار مناقشة الموازنة أو قبولها ورفضها، إلا بتوجيهات من رئيس الدولة. ووفق مؤشر الموازنة المفتوحة الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية" في ديسمبر/ كانون الأول 2015، فإن الرقابة على الموازنة من قبل السلطة التشريعية في اليمن ضعيفة، بحيث تحوز على 27 نقطة من أصل 100.
في العام 2014، سجلت آخر موازنة لليمن، ولم يتم وضع موازنة للعامين 2015 و2016، بل تم اللجوء إلى تقليص مختلف النفقات وتجميد البرنامج الاستثماري والإبقاء على بند المرتبات والأجور فقط.

غموض تام

تسود حالة من الغموض بشأن الموازنة العامة لليمن، فهي لا تتضمن كافة بنود الإنفاق والإيرادات، ولا تتمتع بالشفافية التي تتيح للمواطن معرفة تفاصيل موازنة بلده، وفي ذلك يقول الخبير المالي اليمني منير سيف لـ"العربي الجديد": "إن اعتماد الموازنة المفتوحة في اليمن يتطلب قناعة كبيرة من قبل صُناع القرار في الإدارة العليا للدولة، وهذا الأمر سيكون صعباً في الوقت الحاضر لعدم وجود مؤشرات واضحة لدعم هذه الموازنة".
ويتابع: "ما دام لا يوجد لدينا اقتصاد منظم بسبب الفساد، لن نستطيع الدخول في الموازنة المفتوحة، فالشروط صعبة، لأن الحكومات المتعاقبة في اليمن، تحاول أن تتجنب الإفصاح عن صرف الأموال. ولذلك ظل هاجس فتح سوق مالية يؤرق تلك الحكومات، لأنه سيفضحها وسيكون هناك مؤشرات اقتصادية واضحة عن حشد الموارد المالية وقنوات صرفها. إلى جانب أن دخول اليمن في الموازنة المفتوحة سيخلق التخوف نفسه ليس فقط بسبب الفساد ولكن أيضاً بسبب سوء إدارة الأموال بشكل سليم".

الباحث الاقتصادي عامر عبد الوهاب، يعتبر أن الموازنات التي وضعتها الحكومات اليمنية خلال المراحل السابقة لا تُنفق وفق بنودها بل تنفق بصورة عشوائية، ويتضح ذلك من خلال ضعف الخدمات العامة. ويشير عبد الوهاب إلى أن اتساع معدلات الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع الصحية للمواطنين يعكسان مدى عدم التزام الدولة ببنود إنفاق الموازنات التي يلتهم الفساد الجزء الأكبر منها، كما تغيب المعالجات المتعلقة بتوفير الرعاية الاجتماعية للفقراء والمتعلقة بزيادة الأجور لمواجهة الارتفاعات السعرية.
يبرز أمام الدولة اليمنية عدد من المتطلبات لاعتماد الموازنة المفتوحة وفقاً للخبير المالي منير سيف، ومن أبرزها الشفافية والجدول الزمني لعرضها، إلى جانب إشراك مؤسسات المجتمع المدني، وتمكينها من معرفة التفاصيل الدقيقة عن الموازنة، وكيفية استخدام المال العام. ويؤكد سيف أن الفهم العميق للموازنة وكيفية حشد الموارد المالية وإنفاقها من قبل صناع القرار والمُشّرِعين والمؤسسات المالية، من أبرز متطلبات اعتماد الموازنة المفتوحة. فضلاً عن الحاجة إلى جهود كبيرة لرفع الوعي لدى مؤسسات المجتمع المدني والمواطن في فهم واستيعاب الموازنة والآلية الصحيحة في مراقبتها.
أما منير العمري رئيس مركز البحوث والتنمية المجتمعية في صنعاء، فيقول لـ "العربي الجديد" إن تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة، وفقا لأفضل الممارسات الدولية المعتمدة في مجال إعداد وتنفيذ والرقابة على الموازنات، يفرض على الحكومة التعامل بشفافية مطلقة مع الأمور الخاصة بالموازنة، وإدارة تحصيل الموارد. كما يتطلب الأمر توفير وثائق هي بيان ما قبل الموازنة، ومشروع الموازنة، الموازنة المعتمدة، موازنة المواطن، التقارير الدورية، تقرير نصف العام، الحساب الختامي، وتقرير المراجعة.
لاشك أن حالة القصور المعرفي لدى المواطن اليمني بواجباته الرقابية والمساءلة على آليات إنفاق الموازنة السنوية ناجمة عن حجب الحكومة للمعلومات التفصيلية عن موازناتها، الأمر الذي يجعل المواطن لا يكترث لمصير المال العام. فهو لا يشعر أن هذه الموازنات وجدت لتحسين معيشته. إلى جانب ضعف الرقابة من قبل الجهات المعنية سواء في الدولة أو المجتمع المدني، بحسب الباحث الاقتصادي عامر عبد الوهاب.
كما يرى العمري أن الأمر لا يتعلق بإتاحة هذه الوثائق فقط، وإنما يرتبط بشكل كامل بتوقيت نشر وإتاحة هذه الوثائق للجهات ذات العلاقة وعامة الجمهور، ففي العامين 2013 و 2014، أعدت وزارة المالية موازنة المواطن، وهي نسخة مبسطة تشرح ما هو موجود في موازنة الدولة، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الموازنة نُشرت متأخرة جداً ولا فائدة من نشرها في وقت يكون قد تم ربط واعتماد الموازنات.

إجراءات خجولة 

يضع تقرير الموازنة المفتوحة لعام 2015 الذي يصدر عن "منظمة الشفافية الدولية" كل عامين أمام اليمن أولويات الإجراءات لتحسين شفافية الموازنة، منها نشر بيان ما قبل الميزانية وتقرير الحسابات، ونشر الميزانية للمواطنين في الوقت المناسب، فضلاً عن تحسين أجهزة الرقابة على الموازنة من خلال تكوين هيئة مستقلة تتبع السلطة التشريعية أو القضائية لمراجعة الحسابات وآليات الإنفاق والإيرادات، وهو ما يؤكده منير العمري، ويقول إن تفعيل الأجهزة الرقابية يتطلب وجود مكتب بحثي متخصص وبكوادر مؤهلة لتقديم الرأي والمشورة حول الموازنات والحسابات الختامية لأعضاء مجلس النواب، ويقوم بنشر تقاريره الرقابية وإتاحتها للجمهور بالطرق المختلفة سواء المطبوعة أو الإلكترونية.
تطبيق اليمن لمبادئ الموازنة المفتوحة سيحد من الفساد بشكل كبير جداً، حسب سيف، وسيتحقق نوعاً من الحفاظ على المال العام من الإهدار والصرف غير المبرر، وسيبدأ البلد في تحقيق النمو الاقتصادي حتى وإن كان بطيئاً. إلا أن سيف يرى أنه في حال تطبيق مبادئ الموازنة المفتوحة ستكون هناك صعوبات ومعوقات كبيرة حيث سيتم مقاومة ذلك من قبل أصحاب المصالح الكبرى في البلد، إلى جانب جهل الناس بأهمية هذه المبادئ مما سيخلق تحدياً في تحقيق الهدف.


المساهمون