نعيم شراب يعجن خبز غزة البلدي

14 مارس 2016
أبو صلاح يعمل داخل فرنه في غزة (داوود نمر)
+ الخط -
داخل فرنه الخاص، تشعر بعبق التاريخ وعراقة الماضي. جدرانه العتيقة تشهد على زمن عاش فيه مواطنون زاولوا مهنة شكلت معلماً هاماً لأبناء أحياء قطاع غزة في تحضير وتجهيز قوتهم اليومي. نعيم شراب واحد من الذين أكملوا مسيرة الأجداد في صناعة الخبز البلدي داخل فرن تراثي، محافظاً على هذه المهنة من الاندثار.
يسكن شراب (37 عاماً) في حي الزيتون في مدينة غزة. يزاول هذه المهنة منذ عشر سنوات، يتكون فرنه الخاص، من الطوب الحراري القديم الخاص بالخبز البلدي، والذي ورثه عن أحد أفراد عائلته، إذ يعتبر هذا الفرن واحدا من أصل أربعة أفران موجودة في القطاع، ما يجعل من الخبز الذي ينتجه سلعة مطلوبة بشدة من أبناء القطاع.
يقول شراب لـ "العربي الجديد": "مهنتي معروفة منذ القدم، إذ كان يتواجد داخل كل حي في قطاع غزة، فرن شعبي يخدم سكان المنطقة ويؤمن لهم احتياجاتهم اليومية من الخبز البلدي.
وفي ذاك الوقت لم تكن الكهرباء موجودة، كما لم يكن هناك وقود، فكانت النساء والفتيان يحملون عجين الخبز في فروش خشبية على رؤوسهم، ويأتون بها لتخبز على أيدي أشخاص في الفرن كانوا في الغالب من كبار السن، ومع رحيلهم بدأت المهنة بالاندثار، لذا قررت مواصلة طريقهم، إذ اعتبر هذه المهنة جزءا من التراث الفلسطيني، يجب المحافظة عليها وتناقلها من جيل إلى آخر".

روائح ذكية
تفوح الروائح الطيبة من فرن شراب. يشمها كل من يسير بجواره. إلى جانب صناعة الخبز، يجهز شراب أصنافاً ومنتجات عديدة. فهو صاحب مهارة عالية واستطاع تطوير عمله بشكل لافت. يقول: "لا أعتمد على صناعة الخبز فقط، بل أستقبل وجبات ومأكولات متنوعة، أجهزها لزبائني، وغالباً ما تكون هذه الوجبات من الأطعمة الشعبية، مثل شواء اللحوم والدجاج والسمك، إضافة إلى تجهيز قدور الأرز والتي أجيد إعدادها إلى جانب المعجنات وتحميص القهوة".
ويشير شراب إلى أن تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية في غزة، زاد من نسب الإقبال على فرنه بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، ونقص الغاز المنزلي الذي أثر بشكل كبير على السكان، فلم يعد باستطاعتهم تجهيز أكلاتهم، خاصة الخبز، ما دفعهم إلى اللجوء نحو الأفران البدائية.
شراب، أو "أبو صلاح"، مسؤول عن أسرة مكونة من 14 فرداً، يقول" أشعر بسعادة في إنجاز عملي وبالرضى الواسع من زبائني، إذ أعتبر أن مهنتي ساهمت في إيجاد حل لأزمة أهالي غزة، بحيث باتوا يعتمدون على فرني في ظل أزماتهم، ولذا أعتبرها مهنة تخدم العائلات في تجهيز احتياجاتهم الأساسية".
لا يخفي أبو صلاح رأيه في المخابز المتطورة، ويقول "أثرت المخابز المتطورة ذات الآلات الحديثة، على مهنتي، لكنني أرى أن هذه المخابز تحتاج إلى وقود وكهرباء وأيد عاملة، عكس فرني البسيط". ويؤكد أن الأفران الحديثة تحتاج إلى أموال كثيرة لإنشائها وحتى تلبية مستلزماتها، أما مخبزي البسيط فلا يحتاج إلى أكثر من أدوات بسيطة سهلة التحضير". ويشير إلى أن مذاق الخبز من داخل فرنه، يختلف عن باقي الأفران، حيث يرغب السكان بالخبز المعد على الفرن البلدي كون مذاقه أطيب من ذلك المجهز إلكترونياً، "أضف إلى ذلك، فإن أسعاري رمزية حيث أرضى بالقليل ولا أطمع بالكثير".

مهنة عائلية
ويتابع أبو صلاح: "يستفيد من مهنتي هذه، العديد من العائلات في غزة، وأكثرهم بائعو المكسرات المتجولون، إذ أقوم بتحميص المكسرات لهم، حتى يتمكنوا من بيعها في الأسواق والحارات".
وعن طريقة عمل فرنه ومستلزماته، يقول أبو صلاح "أعتمد بالدرجة الأولى على الخشب، استخدام زيت معين يسهل عملية الاشتعال، وأقوم بتخزين الأخشاب في أماكن محددة داخل زاوية معدة في الفرن، بعد رشها بالزيت لتصبح جاهزة للعمل".

يعتمد أبو صلاح في عمله على مساعدة عامل واحد فقط، بالإضافة إلى أفراد عائلته، الذين يقدمون يد المساعدة في أوقات الإجازات الدراسية، أو في فترات العمل الكثيف.
يطمح أبو صلاح إلى تحقيق أمنيات أبنائه، لاسيما تعليمهم والوصول بهم إلى أعلى المراكز العلمية، فهو يصف نفسه بأنه "شقيان وتعبان في سبيل تربية أبنائي".

اقرأ أيضاً:ملك "الفراشيح" في قطاع غزة
المساهمون