زكريا المظلوم حارس صناعة الخيزران في غزة

زكريا المظلوم حارس صناعة الخيزران في غزة

28 مارس 2016
أبو رائد في مصنعه في غزة (داوود نمر)
+ الخط -
"كانت مهنة قائمة ومزدهرة، كنا نسابق الوقت لإنجاز طلبات الزبائن المحليين، وطلبات السوق الخارجية، كنا أكثر من 150 مصنعاً، أما الآن فقد انخفض العدد إلى نحو خمسة مصانع فقط". بهذه الكلمات يصف أكبر مالك لمصانع الخيزران سناً في غزة، واقع المهنة في القطاع.
الحاج زكريا المظلوم أو "أبو رائد" من مواليد مدينة غزة عام 1944، يعمل في هذه المهنة، منذ خمسين عاماً تقريباً، حيث اكتسبها من شقيقه الأكبر عندما كان عمره ثمانية عشر عاماً.
يقول أبو رائد: "تعلمت مهنة الخيزران في غضون سنتين، وأصبحت ملماً بها وماهراً في التصنيع إلى أن قررت الاستقلال عن أخي، والاعتماد على نفسي، فأسست مصنعاً خاصاً، واخترت أحد المحلات القريبة من ساحة فلسطين وسط غزة ليكون مركز عملي".
ويضيف: "أن اختياري مهنة صناعة الخيزران نابع من عشقي منتجاته، والأعمال الفنية والتراثية التي رأيتها مجتمعة في هذه المهنة، لذلك كنت على يقين بأنني سأنجح، وأصبحت واحداً من أبرز أصحاب مصانع الخيزران في قطاع غزة".

ضعف الإنتاج

يؤكد أبو رائد أن العمل في الفترات الماضية كان أفضل حالاً من الآن، ويقول: "كنا نعمل في الليل والنهار لتأمين طلبات الزبائن، فكان فريق عملي مؤلفاً من 30 عاملاً، نعمل كخلية نحل لتجهيز الطلبات إلى بعض الدول العربية والأوروبية، لكن للأسف، تغير واقع المهنة اليوم، وتراجعت وتيرة العمل، وانخفض عدد عمالي من 30 عاملاً إلى عامل واحد يساعدني في الأعمال، وهو ولدي بسبب ضيق الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها قطاع غزة".
يصنع أبو رائد منتجات خيزرانية متعددة، منها صناعة أثاث المنازل، صناعة كراسي هزازة، سرائر للأطفال، رفوف للكتب، ويعتمد في عمله على أنواع متعددة من الخيزران.
ويتابع: "كنا نستورد المواد الخام من سنغافورة والصين، وبسبب الحصار وإغلاق المعابر، توقفنا عن الاستيراد، واعتمدنا على استيراد بعض المواد من مصر عن طريق الأنفاق إلى أن دمرت، وأصبحت البضائع تأتي عن طريق حواجز الاحتلال وبصورة متقطعة، وفي حال وجدت تكون أسعارها مرتفعة للغاية، بحيث تصل إلى نحو 300% من سعرها الطبيعي".
يعتبر أبو رائد أن صناعة الخيزران جزء من التراث الفلسطيني، مثل مهنة الفخار وصناعة السجاد والكراسي القديمة، ويقول: "أنا مستمر في عملي، وباقٍ في مهنتي على الرغم من توقفها، وذلك للحفاظ عليها من الاندثار".

لا يخفي أبو رائد أن المصنوعات الجديدة من الأثاث، والكراسي الخشبية، أثرت في استمرار عملية صناعة منتجات الخيزران، حيث يلجأ الزبائن إلى شراء الأطقم الخشبية في ظل سعرها المناسب، عكس أطقم الخيزران، والتي تعتبر مرتفعة السعر، مشيراً إلى أن منتجات الخيزران تختلف كلياً عن المنتجات الخشبية، "فالخيزران ذو جودة مرتفعة، يبقى في رونقه لسنوات طويلة جداً، دون أن يتأثر أو يتلف، لذلك تكون الأسعار مرتفعة مقارنة بالمصنوعات الأخرى، والتي لا تتميز بالجودة، وتعتبر سهلة التلف".
وعن تاريخ مهنة الخيزران في قطاع غزة، يقول أبو رائد: "تعود جذور صناعة الخيزران في فلسطين إلى العام 1929، عندما تعلمها الشقيقان رجب وسلام خلف في مدرسة الأيتام في القدس، حيث كانا أول من أتقن هذه المهنة، وقاما بإنشاء مصنع في مدينة يافا مسقط رأسهما، ومن هنا بدأت هذه المهنة بالانتشار". ويتابع" في العام 1948، وبعد تهجير العائلات قسراًَ من المدن والقرى بسبب الاحتلال، هاجر رجب وسلام خلف ليستقرا في غزة، ويعيدا إنشاء مصنع الخيزران في القطاع، حيث فتح المجال أمام الكثير من العمال لتعلم هذه الحرفة الجديدة، وبدأت المهنة بالانتشار في غزة".
في العام 1992، تعرض أبو رائد إلى موقف مؤلم، عندما استشهد ابنه رامي برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، يقول: "تعلم ابني رامي المهنة، وكان يأتي لمساعدتنا، والعمل معنا، فكان يجيد المهنة بشكل كبير، ويتمتع بلمسات فنية، كما كان يتمتع بدبلوماسية عالية في جذب الزبائن وإقناعهم بالمنتجات، بسبب حنكته".
ويتابع أبو رائد: "تعلم باقي أبنائي مهنة الخيزران بالإضافة إلى تحصيلهم الجامعي، حيث دخلوا الجامعات والكليات، وتخرجوا منها، فمنهم من يحمل الماجستير والدكتوراه، والفضل في هذا يعود إلى الدخل الجيد من هذه المهنة التي أعشقها".

المساهمون