المعنفات في فلسطين... أعراف مجتمعية وبيئة قانونية حاضنة تشجع الجناة

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
تعرضت الثلاثينية الفلسطينية حنان للعنف الجسدي واللفظي من قبل أهلها منذ الصغر، وحين تزوجت وهي في السادسة عشرة من عمرها، واجهت العنف ذاته من زوجها لمدة ثلاث سنوات، بسبب غيرته عليها، ما اضطرها إلى طلب الطلاق، والعودة بمعية طفلها إلى منزل أبيها، لتعيش فصلا جديدا من العنف الجسدي والنفسي، زاد عليه استحواذ والدها على راتبها، ونفقة طفلها المقدرة بـ2200 شيقل (593 دولارا)، كما تقول، مضيفة لـ"العربي الجديد": "عندما كنت أطالب بحقي يزداد العنف واستمروا في ضربي لمدة أسبوع، حتى تطور الأمر إلى تهديدي بالقتل، فأغلقت باب غرفتي، وهاتفت الشرطة التي أوصلتني إلى أحد مراكز الإيواء".

وتعد حالة حنان واحدة من 3300 قضية إيذاء للنساء، أو تهديد من الزوج أو الأسرة، أو قضايا متعلقة بالهروب من المنزل، بينها قضايا مدورة من سنوات سابقة في العام 2017، وفق إحصاء دائرة حماية الأسرة والأحداث في الشرطة الفلسطينية التي تلقت 3200 بلاغ في العام 2016، زادت إلى 3300 قضية في العام 2015، بعدما كانت في 3400 قضية في عام 2014 بحسب تأكيد نائب مدير الدائرة العقيد جهاد الحاج علي.

ويؤكد التقرير الإحصائي السنوي الثاني الصادر عن وزارة التنمية الاجتماعية في الربع الأول من العام 2017، ارتفاع عدد النساء ضحايا العنف ممن هن في العشرينات، ولم يتجاوز مستواهن التعليمي (مرحلة الإعدادية)، وممن صنفت مهنتهن بكونهن (عاملات/ موظفات). كما أشار إلى ارتفاع نسبة اللواتي صنف العنف الممارس تجاههن بالعنف المتعدد، تلاه النفسي، وأن معظمهن كن قد تعرضن للعنف من قبل أسرهن، تلتهن من تعرضن للعنف من قبل أزواجهن.

وتعاني المعنفة في منزل أبيها من عدم توفر أدلة كافية، أو شهود يمكنونها من إدانة المعتدي بحسب رئيسة وحدة المرأة والنوع الاجتماعي في وزارة التنمية الاجتماعية ومديرة مركز حماية وتمكين المرأة والأسرة (محور) سائدة الأطرش، التي تقول لـ"العربي الجديد" إن "في بعض الحالات الأم تكون على علم بأن زوجها يغتصب ابنته منذ فترات زمنية طويلة، لكنها ترفض الذهاب إلى المحكمة للشهادة ضد زوجها، لتحمي أسرتها على حساب ابنتها، كي لا تخسر أسرتها، أو المورد الاقتصادي"، مضيفة أن القانون البائس لا ينصف ضحايا الاعتداءات الجنسية على النساء وهن طفلات بالذات من قبل الأب، أو الأخ.



تعريف العنف

عرف "مسح العنف في المجتمع الفلسطيني لعام 2011" الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في مارس/آذار 2012، العنف ضد النساء، بأنه سلوك أو تصرف موجه ضد المرأة بجميع أشكاله، الجسدي، والنفسي، والجنسي، واللفظي، والحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والتهديد بهذه الأعمال، والإكراه، وسائر أشكال الحرمان من الحرية، وذلك بسبب كونها أنثى، سواء كان بشكل مباشر، أو غير مباشر، ويؤدي إلى إلحاق ضرر، أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو عقلي أو اجتماعي أو اقتصادي بها، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.

وتؤكد الدراسة التحليلية الشاملة للعنف المبني على النوع الاجتماعي، الصادرة عن جمعية تنمية وإعلام المرأة (تام) في أغسطس/آب 2016 أن هناك العديد من المرجعيات والبنود القانونية البيئة التمييزية التي تغذي العنف ضد النساء، وتؤدي إلى تطبيع التمييز والعنف ضد النساء، موضحة أن الاستراتيجيات المتوفرة لتوفير الحماية للنساء تفتقر إلى حلول جذرية لمشكلة العنف ضد المرأة، إضافة إلى أن الأعراف الاجتماعية والتقاليد والتوقعات السائدة هي أيضاً بمثابة حاضنة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في فلسطين.


قوانين تشجع على العنف

بلغت قضايا النوع الاجتماعي المتعلقة بالقتل، المنظورة أمام القضاء 446 قضية قتل من العام 2012 حتى الربع الأول من العام 2018، بينها 55 قضية قتل مدورة، بينما جرى الفصل في 336 قضية، فيما بلغت القضايا المتعلقة بالاغتصاب 177 قضية اغتصاب، منها 43 قضية مدورة، وفصل في 93 قضية لنفس الفترة بحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى.

ووفقا للمسودة النهائية حول العنف ضد النساء والفتيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الصادرة عن مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) في إبريل/نيسان 2017، فإن البيئة القانونية الفلسطينية أحد العوامل الرئيسية التي تمكن من ارتكاب العنف ضد النساء والفتيات، في ظل وجود العديد من التشريعات والمواد الواردة في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 المطبق في الضفة، التي تدفع وتسمح بصورتها الحالية بالقيام بأفعال تندرج ضمن مفهوم العنف ضد المرأة بحسب تأكيد مدير عام الإدارة العامة للخدمات التشريعية في المجلس التشريعي وفاء حمايل لـ"العربي الجديد"، ومنها، "المادة 292 المتعلقة بعقوبة الاغتصاب، والتي تقول إنه (من واقع بالإكراه أنثى غير زوجته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة 5 سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن 7 سنوات إذا كان المعتدى عليها لم تتم الـ15 سنة من عمرها) بالتالي، هذه العقوبة غير رادعة للحد من جرائم الاغتصاب المرتكبة، كذلك المادة 62 التي يجيز فيها القانون (ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم على نحو ما يبيحه العرف) بحيث لا يتم اعتبار هذه الأفعال جريمة يعاقب عليها القانون"، وبالتالي لا يتم اعتبار هذه الأفعال جريمة يعاقب عليها القانون، وهو ما يطلق العنان للآباء في تعنيف بناتهم على نحو يبيحه (العرف العام)، والذي يعد مفهوما فضفاضا.

وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة، في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2017 بعنوان "تقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه"، إنها أُبلغت بأن الجناة يستخدمون المادة 62 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 كوسيلة لدحض الاتهامات الموجهة إليهم بأنهم أساؤوا إلى بناتهم، أو قتلوهن.



معنفات في مراكز الإيواء

جرى إيواء 167 امرأة وطفلا في عام 2016 في مختلف مراكز الإيواء الحكومية والأهلية وعددها ثلاثة، حسبما قالت رئيسة وحدة المرأة والنوع الاجتماعي في وزارة التنمية الاجتماعية ومديرة مركز حماية وتمكين المرأة والأسرة الحكومي (محور) سائدة الأطرش، والتي صرّحت بأن الضرورة اقتضت إدخال 87 امرأة وطفلا في "محور" وحده في العام 2017، مضيفة أن معدل عدد النساء ممن يتم إيواؤهن شهرياً في محور يصل إلى 12 امرأة ، في حين يصل العدد في البيت الآمن في نابلس التابع لجمعية الدفاع عن الأسرة (أهلي) إلى 15 امرأة، أما في طوارئ أريحا (أهلي) التابع لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، فيصل العدد إلى 5 نساء، تعرضن لعدة أشكال من العنف، كالاعتداءات الجسدية أو التعرض للعنف المجتمعي أو التهديد بالقتل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو العنف النفسي من قبل الزوج.

وتقول مديرة فرع حماية الأسرة والأحداث في ضواحي القدس الرائد عبلة أبو الرب، إن المرأة يساورها شعور بأنها مسجونة في مركز الإيواء، وهو ما يعد بمثابة تعنيفها مرة ثانية، نتيجة إبعادها عن بيتها والفصل بينها وبين عائلتها وأطفالها، رغم ما توفره هذه المراكز من حماية لها وفق إفادتها لـ"العربي الجديد"، مؤكدة أن المرأة تشعر بأن حريتها محتجزة، نظرا لخضوعها لقوانين المركز، أما الجاني، فلم يتغير في حياته شيء، لأنه يبقى داخل الأسرة.


عنف لا يغطيه القانون

تعاملت نيابة الأحوال الشخصية خلال العام 2017، مع 568 ملفا تحقيقيا مرتبطا بالحق العام الشرعي، وفق ما جاء في التقرير السنوي للعام 2017 الصادر عن ديوان قاضي القضاة، والمنشور على موقعه الإلكتروني ونظرت النيابة ذاتها 258 دعوى في عام 2016، وفق التقرير السنوي لعام 2016.

ورغم أن القضاء الشرعي لا يفصل في النزاعات والخصومات التي لها علاقة بالعنف، أو الإساءة مباشرة، إلا أنها تظهر في قضايا الطاعة، أو الحضانة، أو النزاع والشقاق، عندما يتقدم أحد الزوجين بطلب دعوى للتفريق بحسب تأكيد رئيسة نيابة الأحوال الشخصية في ديوان قاضي القضاة القاضي صمود الضميري لـ"العربي الجديد"، والتي قالت إن غالبية تلك القضايا تتبعها عملية إساءة وعنف لفظي، أو يصاحبها عنف نفسي وجسدي، فتتوسع إلى حد الإساءة الاجتماعية، فإذا كان العنف بدرجة خطيرة وعالية، نلجأ لإجراءات العمل الموحدة مع الجهات الشريكة.

ويؤثر المسار القانوني في بعض جوانبه سلبا في قضايا العنف ضد المراة، إذ إن إثبات الإيذاء الجسدي يتطلب أن يكون شديدا، في حين أن الإيذاء البسيط، أو قضايا الذم والقدح والتحقير، يشترط فيها وجود تقرير يفيد بمدة تعطل تزيد عن 10 أيام، كما أن التحرش الجنسي واغتصاب الأزواج زوجاتهم، تعد من أشكال الإيذاء التي لا يغطيها القانون كما تقول رئيسة نيابة حماية الأسرة من العنف لدى النيابة العامة دارين صالحية لـ"العربي الجديد".


خطوات غير كافية

على الرغم من الخطوات العديدة التي قامت بها السلطة الوطنية على مدى الـ10 سنوات الماضية لتجريم العنف وحماية النساء، إلا أن المسودة النهائية حول العنف ضد النساء والفتيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الصادرة في إبريل/نيسان 2017 عن مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) تؤكد أن كل ما استحدث من دوائر مثل وحدات الإرشاد الأسري في المحاكم، ووحدة النوع الاجتماعي في مكتب النائب العام، ووحدات حماية الأسرة والطفل في الشرطة الفلسطينية، تفتقر إلى الموارد البشرية والمادية المختصة.