أجيال فلسطين المهدورة

أجيال فلسطين المهدورة

25 ابريل 2015
"فخ"، منى حاطوم، خمسة أقفاص معدنية وزجاج (2012)
+ الخط -

مثلما بعثرت نكبة عام 1948 منجزات ثورة 1936، فعلت أوسلو بالانتفاضة الأولى حيث غرق الزمن الفلسطيني الجديد في ما لم يكن متخيّلاً في أي مرحلة سابقة (رواتب وموظفون وحواجز وأمن). ثم تراجعت المقاومة مع نهاية الانتفاضة الثانية إلى خطوط التماس الخلفيّة حيث مناهضة الجدارين (العنصريّ والسُلطويّ) بدلاً من مناهضة العدوّ المتحصّن وراء الجدار.

لقد أدّى غياب الحركة الوطنيّة الجامعة إلى غياب الشخصيّة الفلسطينية الجامعة، وبالتالي الاستفراد الفصائلي بالتمثيل الفلسطيني. حركة فتح شيّدت شققاً سُلطويّة في طوابق عليا واسترخت باسم نضالها القديم. في الوقت نفسه دفعت بعربة أوسلو في طريق "منظمة التحرير" لتعطيلها من جهة، وتعطيل خيارات الشباب ومحاولاتهم الجديّة لخلق جسر جديد للعبور من جهة ثانية.

وتراجع دور اليسار التقليدي ليظهر يسار حديث مدلّل، يشارك في اقتسام السلطة ويرتضى لنفسه مقعداً ثالثاً في التمثيل العام، ويترك التأثير للتيارات الإسلاميّة ذات الخطاب الخلاصي.

عند البحث في مخرجات الانتفاضة الثانية التي أدّت في ما أدّت إليه، إلى تصفية عدد كبير من المناضلين القدامى، نجد أنّ الجيل الذي تخضرم عبر مرحلتين: مرحلة الانتفاضة الأولى ومرحلة التسعينيّات، سرعان ما وجد نفسه على تُخوم هذه الانتفاضة الثانية عام 2000. أعقب ذلك جيل تخضرم عبر مرحلتين أيضاً: مرحلة النهايات التي اتّضحت فيها نتائج هذه الانتفاضة، ومرحلة دخول حركة حماس إلى السُلطة، وما تبعه من انقسام، أدّى، كما هو معروف، إلى انفصال غزّة عن "الضفّة".

في العام الماضي، بدا وكأنّ الجيل الأوّل يسحب الجيل الثاني إلى تأصيله للأدوات الفرديّة في المواجهة كالحجر والسكّين. حيث لم تتكئ، ردود الفعل الغاضبة والعمليات النوعيّة، على المتاح فقط بقدر ما استعادت ما تمّ اختباره في جُغرافيا منهوبة ومُقطّعة، فيما لا زالت تحاول بعد سلسلة من الانفجارات أن تولّد الانفجار الكبير.

هنا لا بد من مجموعة تصويبات كي يستعيد الزمن الفلسطيني سيولته. بداية بإنقاذ الإنسان الفلسطيني من الصورة المتعلقة بالمظلوميّة التبريريّة والتي تؤدي، بسطحيّتها، إلى استنزاف الحضور الفلسطيني وحمله على النمذجة والتهويل البطولي في سياق يفضي إلى إفراغ محتوى مقولة "حقه في تقرير مصيره".

لا بدّ، أيضاً، من التركيز على بؤرة الفعل الاشتباكيّ الذي لا يتموضع في الجغرافيا الفلسطينية المقطّعة، ولا يتموضع في الزمانيّة المفروضة (الوقت الذي يختاره الاحتلال للاشتباك).

لا تجد السلطة، ضمن هذا الوضع، سوى بيع البالونات. ومع الوقت، يتم التوصّل لتحديد حجم البالون ولونه وميعاد إطلاقه في هواء رام الله الناعم. بالونان أطلقا مؤخراً؛ بالون أطلقته "حركة الشبيبة" وهم يدلقون الحليب "الاحتلالي" في الشوارع في سياق مقاطعة البضائع الإسرائيليّة. وبالون ثان عنوانه وقف التنسيق الأمني، أطلقه المجلس المركزي الفلسطيني.

غير أن الوقف، بالمعنى السياسي، لا يعني الإنهاء، ولهذا فهو يظهر السلطة كحاجة أمنيّة، وأن وجودها مرتبط عضويّاً بوجود الاحتلال، حتى أن المقاومة الشعبية اليوم لا تجد حالها في سياق انتماء طبيعي.

(كاتب فلسطيني/ الخليل)

المساهمون