مثال لندن الجميـل

17 مايو 2016
لوحة للفنانة السعودية نور هشام السيف (بإذن من الفنانة)
+ الخط -
"ما حدث في لندن رائعٌ... ومثال جميل"- هذا ما يؤكده جاك لانغ ردًّا على السؤال التالي: كثيرٌ من المفكرين ومن رجال السياسة يعتقدون أن الثقافة يمكن أن تعالج العديد من القضايا، وها نحن نرى كيف تم انتخاب ابن سائق حافلة باكستاني (صادق خان) عمدةً لمدينة لندن مؤخرًا، فماذا عن الدور الذي يجب على باريس، عاصمة الثقافة العالمية، أن تلعبه؟.
يجزم لانغ كذلك بأن فرنسا نجحت في التحصيل الأخير بأن تكون بوتقة، بالرغم من وجود مظاهر عنصريـة يعتبرها موجات تراجع يجب مجابهتها بعمل دؤوب يتمّ إنجازُهُ عن طريق الثقافة، والتربية والتعليم، وعن طريق سياسة أخرى تمنح "المثال" و"اليوتوبيا" للشباب، لأن السياسة، اليومَ، أصبح ينقُصُها النَّفَسُ والحماسُ.

وهذا يجعلنا نتساءل: هل ينطوي "مثال لندن الجميل" السالف على معانٍ ودلالات ثقافية؟
على كثرة ما قرأنا من تعليقات في إثر انتخاب خان والمعاني المترتبة عليه، لم أجد أصدق إنباء مما كتبه المفكر عزمي بشارة بهذا الشأن ("العربي الجديد"، 6/5/2016).
ومن جملة ما كتب ضمن حقل المعاني المستمد من الثقافة: "لا ندري بعد إذا كان (هذا الانتخاب) انتصارًا للتعددية الثقافية، التي تعرفها بريطانيا حاليًا، فمن المبكر قياس ردّ الفعل عليه".

في هذا الكلام ما يولي أهمية لعنصر التعددية الثقافية، الذي بوسع ترسخه أن يكبح وقوف عائق الأصول الدينية والإثنية أمام ممارسة حقوق المواطنة.
وهذه التعددية الثقافية، التي تعرفها بريطانيا حاليًا، تؤثّر في مناح كثيرة في حياة السكان فيها. فهي تنعكس مثلًا على سلوك قراءة الأدب.

ووفقًا لاستطلاع أجراه Nielsen Book أخيرًا، يتبيّن أن الأدب المترجم إلى الإنكليزية يُباع من ناحية نسبية أكثر من الأدب المكتوب بهذه اللغة.
وبالأرقام، أظهر الاستطلاع أن بيوع الكتب الأدبية المترجمة إلى الإنكليزية تضاعف من 1.3 مليون كتاب عام 2001 إلى 2.5 مليونَي كتاب عام 2015. في المقابل انخفض بيوع الكتب الأدبية بهذه اللغة من 51.6 مليون كتاب عام 2001 إلى 49.7 مليون كتاب عام 2015.

وفي ما يتعلّق تحديدًا بالكتب الأدبية النثرية، أظهر الاستطلاع أنه بينما بلغ معدل بيوع هذه الكتب باللغة الإنكليزية 1153 كتابًا عام 2001، في حين أن معدل بيوع هذه الكتب المترجمة إلى الانكليزية بلغ 482 كتابًا، فإن معدل بيوع الكتب الأولى انخفض في عام 2015 إلى 263 كتابًا، في حين ارتفع معدل بيوع الكتب الثانية إلى 531 كتابًا.

ثمة من يرى أن هذه "المعطيات الجافّـة" تحيل، فضلًا عن قياس مفاعيل التعددية الثقافية، إلى سيرورة فتح بريطانيا لـ"حدودها". وليس المقصود الحدود كحالة مادية، وإنما الحدود الثقافية.
ومثلما أن هناك في معظم دول العالم حرسًا لتلك الحدود المادية، يمكن أيضًا العثور على "حرس الحدود الأدبيّ" الذي يقف في صلب مهماته "تسوير" الخيال، وضمان عدم تجاوز بضع أفكار مسبقة الاختيار والأدلجة.

وكمثال لسيرورة فتح الحدود الثقافية، نشير إلى أنها شملت حتى الآن إعلان منظمي مسابقة "جائزة مان بوكر للرواية الإنكليزية"، وهي من أشهر الجوائز الأدبية العالمية، عام 2013، عن إتاحة مجال المنافسة عليها أمام أي روائي أو روائية في أثناء حياته/ا ( بشرط أن تكون أعماله/ا مكتوبة باللغة الإنكليزية أو مترجمة إليها).

وكانت هذه الجائزة مُتاحة لمواطني المملكة المتحدة ودول الكومنولث وجمهورية إيرلندا فقط منذ أن بدأ منحها في عام 1969. وما تزال تتردّد في الأذهان كلمات رئيس أول لجنة تحكيم لهذه الجائزة في صيغتها الجديدة المُستحدثـة، أن ما تهدف إليه جوهريًا هو تفهم ثقافة الآخر على نحو أفضل، وأنه ليس أمامنا من سبيل إلى ذلك سوى أن نفهم الأدب الذي ينتجه الآخر.
من المفترض بالتزامن مع نشر هذه الكلمات، أن يكون قد أعلن اسم الفائز بهذه الجائزة لعام 2016 (يوم أمس، 16 أيار/ مايو).

وضمّت لائحة الجائزة أدباء من كوريا الجنوبية واليابان والصين وإندونيسيا والكونغو وغيرها.
وضمّت اللائحة القصيرة 6 أدباء من بينهم التركي، أورهان باموق، الحائز جائزة نوبل الذي رُشّح عن روايته "غرابة في عقلي"، والإيطالية إيلينا فيرانتي، وهو ليس اسمها الحقيقي، عن روايتها "قصة طفل ضائع". في سياق آخر ومختلف يلفت لانغ، ضمن الحوار معه، إلى أن الدينامية تنتج دينامية. وهذا ينسحب بالتأكيد على السياق المتعلّق بالثقافة وعلاقتها الجوهرية بسلوك البشر.
دلالات
المساهمون