سعدي الكعبي.. ألواح "خطاب الصمت" في "المرخية"

24 مارس 2018
(من أعمال المعرض)
+ الخط -

كأنها مجموعة من صور لألواح حجرية قديمة تحكي حكايات الإنسان الأولى، تحضر الشخصيات في لوحات الفنان العراقي سعدي الكعبي، التي يضمّها معرضه المقبل في غاليري "المرخية" في مطافي مقر الفنانين تحت عنوان "خطاب الصمت"، والذي ينطلق عند السابعة من الثلاثاء المقبل، 27 من الشهر الجاري ويتواصل حتى 27 آيار/ مايو.

يرسم الكعبي (1937) ألواحاً عديدة داخل اللوحة الواحدة، تبدو كأنها غارقة في الماء، وأن الشخصيات التي فيها هي جزء من ميثولوجيا بابلية أو سومرية. أجساد النساء والرجال قوية كما لو أنها لمجموعة من المحاربين والمحاربات من عصور وحضارات قديمة ومختلفة، أما الوجوه فنلمح فيها شخصيات مقدسة وأخرى متخيلة.

ليس مستغرباً أن تكون لوحة الكعبي، المقيم في أميركا منذ خرج من العراق عام 2005، مرصوصة بطبقات من الصحراء والماء والموروث الميثولوجي، فهو يغرف من المخيلة البصرية لخمس حضارات تركت ألواحها وآثارها وفنونها على أرض الرافدين؛ السومرية والبابلية والأكادية والأشورية والإسلامية.

يقول الكعبي حول تأثره بهذا المخزون الثقافي "الفن العراقي القديم يتميز بالمواجهة، حيث نجد الأشخاص يتجهون دائماً الى الأمام سواء كانوا ملوكاً أو أفراداً عاديين. وهناك عنصر يميز المنحوتات العراقية بخاصة في حضارة بابل وهو الحالة السحرية التي تسيطر على ملامح الوجه وبخاصة العيون الواسعة التي تنظر إلى ما وراء الأفق، وهذه الحالة من الصعب مشاهدتها في الأعمال الفنية الحديثة على رغم كونها من المفاهيم الأساسية التي تدور حولها".

ويكمل "المتأمل لأعمالي يلاحظ أن هناك سمات نحتية تبدو واضحة، وهو منحى لا أستطيع أن أفصله عن الفن الأشوري وما كان يتميز به من نحت العملات".

عن لوحة الكعبي، يقول الفنان ضياء العزاوي "في منتصف الستينيات قدم الكعبي مناخات تداخلت في تكوينها التجريدية إشارات لواقع صحراوي تحقق عبر بنية جديدة كمادة يمنح سطح اللوحة قيمة أساسية في عملية بناء اللوحة وهو ما لم تعرفه التجربة الفنيىة العراقية حينذاك".

ويتابع "أغنى سعدي بمغامرته في تعميق سطح اللوحة بخليط من المواد أقرب للسرية موضوع الصحراء ما لم يحققه فنان قبله. أصبح للموضوع سطوة خاصة أمام ما كان شائعاً من موضوعات بين القرية ومناخات الفلاحين وبين تجريدات ذات تأثيرات شاعة في التجربة العالمية".

يضيف العزاوي "بعد سنوات حافظ سعدي على تركيبات ألوانه لكنه حاول أن تتشكل تكويناته من مجموعات تشخيصية هي العصب الفعال ونقطة البدء في تجوال العين الفاحصه لأشكاله. عبر مساراته ولسنوات طويلة ظلت أبحاث سعدي في الموروث الفني أمينة لخيالاته الأولى ومنحازة لبناء عمل لوني غاية في الاقتصاد، مما يمنحها طاقة غنية للتأويل ومساحة واسعة في التفسير وفي نفس الوقت تمنحه تميزه الواضح في التجربة العراقية".

أما الفنان السوري طلال معلا فيرى أن الكعبي "حقق تجاوزات مهمة على مستوى التقنية... ناقلاً تأملاته في الإنسان بعمق محتواها التأليفي. واحتضانه للحظات الأكثر حساسية في كل مرحله من مراحل اشتغاله الجمالي، والتي تضمّنت لا شك القلق والتردد للوصول إلى حلول تعيد صياغة الفضاءات التي أبدعها؛ سعياً إلى استقرار ليربطها بما تحتويه من كتل بشرية، وآفاق محملة بالمفاهيم والأفكار عن غموض الإنسان ومتاهاته التي عاشها جلجامش من قبل في بحثه عن الخلود".

حين عرض الكعبي مشاركته في ترينالي الهند الخامس عام 1982 كتب التشكيلي العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد: "سيعرض الكعبي رسوماً ذات مضامين إنسانية، يحاول من خلالها شكلياً أن يوسع المعنى الإنساني، مستخدماً قيماً هامة مثل الشفافية والحركة الخطية وبساطة الألوان فكانه في رؤيته هذه يمثل صيرورة الإنسان المعاصر في الحياة، ككائن مادي وروحي في آن واحد".

وكتب الحروفي العراقي الراحل جميل حمودي، عام 1986، حول استلهام الكعبي للكتابة والخط العربي: "وجد الفنان في الحرف معيناً غنياً يروي عطشه التعبيري عندما يريد اللجوء الى التجرد؛ والحرف تجرد عن المعنى".

المساهمون