"الطيب صالح".. شباب القصة القصيرة

11 ابريل 2014
الفائزون بـ"الطيب صالح للشباب في القصة القصيرة"
+ الخط -

من بين تسعة وعشرين نصاً قُدِّمت لنيل "جائزة الطيب صالح للشباب في القصة القصيرة" في دورتها السادسة؛ أعلن في مؤتمر صحفي الأحد الماضي عن فوز نصّين منها "مناصفة"، فيما نالت خمسة نصوص أخرى جوائز تقديرية.

المسابقة التي ينظمّها "مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي" للشباب السوداني (بين 18 و30 عاماً) كنشاط مواز لـ"جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي"؛ لم تكتسب قيمتها من ارتباطها باسم الأديب الراحل فحسب، بل ولتَمَكّن القائمين عليها من الحفاظ على إصدار منتظم لها لخمس سنوات بلا انقطاع. وهو أمر لم يُتح لكثير من جوائز القصة في السودان.

وذهبت الجائزة، التي تزامن الإعلان عن نتائجها مع ذكرى انتفاضة نيسان/ أبريل 1986 ضد الحكم العسكري لجعفر النميري، إلى قصتيْ "وقالت اللوحة" لعبد الحفيظ عبد الله عبد الحفيظ، و"أتسيدي.. الموت وقوفاً" لابراهيم جعفر يوسف.

تجول القصة الأولى في فضاء بلدة نوبية شمال السودان، متلمسة تفاصيل نموذج إنساني يكدّ في مجابهة الصعاب، معتمدة نسقاً خطّياً لزمن السرد بدايته ومنتهاه خطابان موجهان إلى القارئ خارج خيط السرد الرئيس. 

أما قصة "أتسيدي.. الموت وقوفاً"، فتتحرك في فسحة جغرافية تمتد بين إثيوبيا والسودان. وتمتاز بشيء من الغنى في إيراد التفاصيل ورسم الشخصيات. وتتناول أحداث القصة ظاهرة الاتجار بالبشر، وهي قضية تلفت الانتباه إلى حجم التحديات التي تؤرّق المسؤولين على حدود الدولتين. ناهيك عن المعاناة الاجتماعية للوافدين الإثيوبيين إلى السودان.

ويلاحظ القارئ على الفور أنّ كلا القصتين يجمعهما ميل مشترك نحو ولوج عوالم غرائبية. وفيما تتجسد هذه النزعة لدى عبد الحفيظ في "وقالت اللوحة" بالاقتراب من حدود التصوف الديني؛ فإنها تتخذ لدى زميله يوسف من الأسطورة والنبوءات مدخلاً لها في حكايته عن "أتسيدي".

على أنّ ذلك ليس هو الخيط الوحيد المشترك في اشتغال كلّ من الكاتبين الفائزين على عمليهما. فالقصتان دمجتا بالعربية لغةً أخرى في بنية النصين؛ اللغة الأمهرية في "أتسيدي"، والنوبية في "وقالت اللوحة".

ومع أن قائمة الفائزين خلت هذا العام (للمرة الأولى) من الأسماء النسائية؛ بيد أنّ النصين الفائزين يحتفيان بالمرأة كنقطة ارتكاز أساسية تدور في فلكها حبكة كلّ منهما.

 ولم تخل القصتان من بعض الملاحظات الواردة في تقرير لجنة التحكيم التي ضمت مديرة النادي السوداني للكتاب مشاعر شريف، والقاص والروائي محمد خلف الله سليمان، والناقد راشد مصطفى بخيت؛ عن مجمل الأعمال المشاركة في المسابقة وهي ملاحظات من بينها وجود "مشاكل لغوية" في النصوص المقدمة، وابتعاد تلك النصوص أحياناً عن الشكل المتعارف عليه للقصة القصيرة.

وهو رأي يتفق معه الناقد السوداني نادر السماني (عضو لجنة التحكيم في دورات سابقة) ويرى فيه عملياً نقداً ينسحب على نصوص قُدّمت في دورات سابقة. يقول السماني لـ"العربي الجديد": "إن كانت هناك ملاحظات حول ضعف في النصوص الفائزة، فهذا ليس بأمر طارئ، إذ أنّه ظهر منذ البداية"، في إشارة منه إلى تقرير الدورة الأولى (2009)؛ موصياً بعقد مؤتمر سنوي للقصة القصيرة على غرار مؤتمر الرواية، وذلك بهدف تأسيس منبر للحوار حول تقنيات هذا النوع الأدبي وإشكالاته.

لكنّ السماني يعود ليشدد على أهمية المسابقة نفسها، لما لها من أثر كبير في تحريك المشهد الثقافي في ظل التراجع والضعف العام الذي يشوبه متمثلاً بـ"عدم وجود مجلات أدبية متخصصة، وتوقف الملاحق الثقافية عن الصدور، وفقر المنابر التي تعالج القضايا الأدبية والثقافية عموما".

من جهته يبدي الناقد عامر حسين تفهماً واضحاً لمشاكل النصوص المشاركة، يظهر في عدم ميله إلى تناولها بنقد صارم. ويصف الجائزة لـ"العربي الجديد" بأنّها "جائزة تشجيعية للهواة أساساً، ودرجة الاحترافية فيها متواضعة. علاوة على التأثُّر الواضح للنصوص المتنافسة بكتابات أخرى". قبل أن يستطرد قائلاً: "لا يمكن الإحاطة بتجربة الفائزين نقدياً من خلال نص واحد. ولعلّه من الأفضل قبول أكثر من مشاركة لذات الكاتب أو الكاتبة، ما سيمنح المحكمين رؤية أشمل". لكن حسين يشدّد – من جهة أخرى- على الحاجة إلى فعالية نقدية موازية للجائزة تسهم في معالجة ما يمكن أن يعتري المشهد السردي من ضعف، وتعمل على تطوير ملكات المشاركين في المسابقة بما ينعكس إيجاباً على أعمالهم مستقبلاً.

وفي اتفاق ضمني مع السماني، يرى حسين أنّه من المهم أن تستمر هذه المسابقة بالتوازي مع العمل على معالجة الإشكالات الطارئة، فهي "محفزة للموهوبين، وترفد المشهد الثقافي السوداني بعدد من الأصوات الجديدة كل عام".

وعلى الرغم من كل العراقيل التي تعترض مسيرتها وحاجتها لمزيد من التطوير، تبقى "جائزة الطيب صالح" ملاذاً للكثير من الشباب السوداني الذي يتلمس خطواته الأولى على دروب السرد القصصي. وذلك في ظل ما يواجهه الفعل الأدبي في السودان من تحديات واقع يرخي بظلال داكنة على الوسط الثقافي المحلي، الذي ميزته فيما مضى حيوية مبدعيه ممن باتت أسماؤهم أوسمة يعلقها الجيل الصاعد على صدره اليوم.

المساهمون