"خضرة والآخرون".. حياةٌ في السينماتيك

11 ديسمبر 2015
(لقطة من الفيلم)
+ الخط -

بعد خمسين عاماً على تأسيسها، لا تزال "السينماتيك"، في شارع "العربي بن مهيدي" في الجزائر العاصمة، شاهدةً على السنوات الذهبية للفن السابع في البلاد، خصوصاً سنوات الستينيات والسبعينيات.

تأسّست "السينماتيك"، التي تُسمّى أيضاً "متحف السينما"، في عهد وزير الثقافة الراحل، امحمّد يزيد، سنة 1965. وفي ظرف وجيز، تحوّلت إلى محجّة سينمائية؛ ففي غضون أربع سنوات، فقط، من ذلك التاريخ، عرضت قرابة عشرة آلاف فيلم عالمي، لا تزال تحتفظ بـ 90 بالمائة منها.

لكن المؤسّسة، التي كانت تُعدّ حينها واحدةً من أبرز المؤسّسات السينمائية والثقافية على الصعيد الإقليمي، دخلت، كغيرها من المؤسّسات الثقافية الجزائرية، نفقاً مظلماً، مع الأزمة الأمنية بدايةَ التسعينيات.

جرى ترميم القاعة وأُعيد فتحها قبل سنوات، وباتت تحتضن عروض أفلامٍ وتظاهرات سينمائية بين وقت وآخر، لكنها لم تستعد ألقها السابق. بل إن متابعين يقولون إن الرصيد السينمائي الذي تحتويه جنباتها، ومن بينه نُسخٌ أصلية ونادرة من أفلام جزائرية قديمة، لا يزال مهدّداً بالتلف والضياع.

اليوم، ومع ركود المشهد السينمائي في البلاد، تبدو "السينماتيك" أكثر حضوراً، لكن بوصفها واحداً من آثار "الزمن الجميل". هكذا، وبعد أن كانت تحتضن النشاطات السينمائية والثقافية على مدار السنة، أصبحت موضوعاً لتلك النشاطات.

خلال الصيف الماضي، وعلى مدار ثلاثة أشهر، أُقيمت في "متحف الفنون المعاصرة"، على بعد أمتار قليلة من المؤسّسة، تظاهرةٌ استعادية بعنوان "أسطورة نشأة سينماتيك الجزائر"، ضمّت معارض صور وعروض أفلام وندوات نقاشية حول تاريخها. ويوم أمس، عُرض وثائقي عنها.

في الفيلم القصير "خضرة والآخرون" (30 دقيقة)، الذي عُرض في "سينما الخيّام" في العاصمة الجزائرية، تروي المخرجةُ سهام مرّاد قصّة "السينماتيك"؛ لكن من زاوية مختلفة.

يقدّم الوثائقي قصّة "السينماتيك"، لكن الأخيرة تحضر كخلفية، إذ يطغى حضور الجانب الإنساني للشخصيات؛ إذ اختارت المخرجة خمسة موظّفين قضوا جزءاً كبيراً من حياتهم في القاعة الموجودة بين عدد من المباني الشعبية القديمة، لتنقل عوالمها وذكرياتها على ألسنتهم ومن خلال يومياتهم؛ إذ يحمل كلّ واحد منهم جانباً خفيّاً من ذاكرة المكان.

الشخصية الرئيسية في العمل هي خضرة بودهان، التي التحقت بالمؤسّسة سنة افتتاحها، وبقيت تعمل فيها طيلة أربعين سنة؛ حيث عملت في البداية مضيفةً تُرافق زوّار القاعة إلى أماكنهم، ثمّ صارت بائعة تذاكر، ثم مسؤولةً على القاعة. وتمثّل خضرة، في العمل، حلقة ربط بين شخصيات الفيلم وأحداثه.

تتبع الكاميرا خطوات خضرة في طريقها إلى القاعة، فتنقل صوراً جميلة من شوارع الجزائر العاصمة ومبانيها البيضاء. ومن خلال ألبومات الصور التي تحتفظ بها في بيتها، يستعيد الفيلم أجواء من "العصر الذهبي" للسينما الجزائرية؛ حين كانت عروض الأفلام لا تتوقّف، والنقاشات تستمرّ إلى وقت متأخّر من الليل. نرى في الصور، أيضاً، وجوهاً سينمائية كثيرةً مرّت بـ "السينماتيك"؛ مثل مؤسّس أول سينماتك في العالم، جاك لانغلوا، ويوسف شاهين.

بدأت فكرة العمل، حين أرادت مرّاد إنتاج وثائقي عن شارع "طنجة" الشعبي على بعد خطوات من "السينماتيك". تقول: "حينها، التقيتُ بعض العاملين فيها، فاكتشفتُ عالماً آخر سرعان ما سرقني إليه". تؤكّد أن فيلمها ليس عن النوستالجيا، بل عن التواصل بين الأجيال. ولعلّ ذلك ما يعكسه، خصوصاً المشهد الأخير الذي نرى فيه مجموعة من التلاميذ وهم يشاهدون فيلماً داخل القاعة.



اقرأ أيضاً: عنّابة السينمائي: "الحَرقة" على استحياء

المساهمون