عند منح جائزة في أي بلد عربي، سرعان ما تتعالى انتقادات أو تحفّظات على معايير اختيار الفائزين والآليات المعمول بها، فمعظم التكريمات تعكس بشكل أو بآخر نظرة السلطة تجاه المبدع أو المثقف لتبدو مثل ترضيات تقيس مدى قربهما منها.
في المغرب، صدر نهاية الشهر الماضي مرسوم جديد يخصّ "تكريم الشخصيات التي ساهمت في إثراء الرصيد الثقافي"، وبحسب الصيغة الواردة فيه "ولمكافأة المثقفين والمبدعين والفنانين المغاربة الذين بذلوا جهوداً قيّمة في خدمة مختلف أوجه الثقافة المغربية والتعريف بها وطنياً ودولياً".
بدا لافتاً صمت الوسط الثقافي والفني حيال القرار، رغم أن القانون ترجمة لمطالب سابقة بهيكلة واضحة للتكريم والاعتراف في ظلّ وضع هشّ واختلالات بنيوية يعيشها المثقفون داخل المغرب في وقت يشهد دينامية وحراكاً يدلّ عليهما انتشار إنتاجاتهم المعرفية والإبداعية عربياً ودولياً.
يفترض المرسوم أن تتولى لجنة خاصة الجوائز التكريمية، تقوم بانتقاء الشخصيات المرشّحة لنيلها بقرار للسلطة المكلّفة بالثقافة، وبذلك يستجيب لنقطة أساسية ظلّت تتكرّر في بيانات الكثير من الإطارات الثقافية والفنية، وهي "الوضع الاعتباري للكاتب والفنان في المغرب"؛ إذ إن الاعتراف يظل مرهوناً عند الكاتب أو الفنان من خلال التكريم الرسمي. يحدث ذلك رغم أن المعطيات تشير إلى الحاجة الدائمة لصيانة "كرامة الكاتب والفنان"، وإيلائها المكانة الرمزية التي تصون مكانتهما داخل المجتمع.
يثير استصدار القانون تساؤلاً حول طبيعة تعامل الدولة اليوم مع المسألة الثقافية خارج منطق "التدجين"؛ المفردة التي ظلّت تتكرّر لوصف العلاقة بين المثقف والسلطة. كما يمكن أن نقرأه في إطار حالة الانتظار التي يعيشها الكتّاب والفنانون تجاه العديد من الملفات المعلقة، والمنتظر أن تباشر الدولة موقفها الصريح منها.
سواء تعلّق الأمر باستراتيجية وطنية واضحة المعالم للثقافة أو بالسياسات العمومية المتبعة ضمن المنظور العام، فإن استصدار قانون للتكريم، قد لا يفيد في تغيير الوضع، سوى إدخال دواليب النقاش "الهامشي" في أحقية الأسماء المكرّمة وآلية المفاضلة بينها، والتي قد لا تؤدي إلى معالجة القضايا الجوهرية ذات الأولوية المتعلّقة بوجود إطارات مدنية واضحة تحتاج لإعادة التفكير بها.
الخروج من حالة الانتظار يفيد اليوم في إعادة طرح أسئلة الثقافة في مقدمة المشهد، وإعطائها الأهمية المركزية المنوطة بها، لأي انتقال ديمقراطي نحو قيم الحداثة. ولعل الحراك على مستوى الإنتاج المعرفي والإبداعي، قد لا يوازيه سوى وضع تنظيمي مهيكل يمتثل للكثير من الآمال التي لم تتبلور على أرض الواقع.
استصدار قانون للتكريم يؤشّر مجدداً على طبيعة موقف الدولة من الثقافة الذي يحتاج إلى حسم مسائل عديدة، وإلا سيظل هذا القانون، كغيره، هامشاً آخر لترسيخ نفس الوضعية وتوسيع مزيد من هوامش الانتظارات.