في هذه القرى المهدومة

13 سبتمبر 2016
سعاد العطار / العراق
+ الخط -

بمَ يأتي الهواء

بمَ يأتي الهواء، منتصف الليل، ولمَ يهبّ؛ أمن أجلي؟ أم من أجل هذا الموت الذي يتآكلُ في فناجينَ وفي حجـر البيوت؟ بمَ يأتي الهواء هذا، بصوت كلبٍ حائر؟ بأنين طيور في دوحةٍ بأقصى زمن؟ بخطوات الخضر؟ أم برفيف ثوب امرأةٍ تجلسُ الآن في جانب ينبوعٍ اسمُه "عَيْنُ الزَّمان"؟ كلُّ ما في الأمر أنّ هناك بابين: واحدٌ مغلقٌ في روحي وآخرَ مفتوحٌ على الهواء، منتصف الليل.

سَبْك

لا يُعاد، للخزف الذي
صنعه الخيّامُ، سَبْكٌ
ولا للروح أيضًا
حين تسقط في جيفة العالم.
هذه الغيومُ لا تُظهِرُ إلا المستحيل
ولا تحكي البنايات القديمة
إلا عن يبابٍ فينا.
لمَ أنت هنا أيها المعنى؟
لمَ أنت هنا تبحث
عن سَبْكٍ تعود إليه؟
الزمن صَوْتُ عربةٍ
تحمل مسافرين نائمين
صَوْتٌ يأتي من بعيد.


سوف يأتي

سوف يأتيأنا الضالُّ في هذه القرى المهدومة؛ أفكرُ حينًا بالمُرْسَل الشابَّ الذي ألقى بنفسه من علٍ؛ وحينًا أرى الشمسَ تصدأ على حجرٍ وحديد الشبابيك. ما نفعُ هذا الكلام حين أموت؟ وما نفع الحنين إليّ وأنا حاضرٌ في الغياب؛ كنتُ ميتًا قبل أن يموت أقراني؛ يا من سوف تولدون بعد مماتي؛ كنتُ في اللغات تلك الكلمة المجهولة؛ وحين ولدتُ كنتُ، من قبل، ضالاً في هذه القرى المهدومة.


إلى عمـر الخيّام

نفسي تنازع نفسي وأنا غائبٌ عن خضرة الأرض والكأس؛ غائبٌ عن أنباء المهاجـرين وعن سكون القـوارب. أفكـرُ بالبنايات التي تعلو وتطيح؛ أتهجّى المفردات التي دخلت عنوة لغتي الملحونة؛ وأبحث عن قبضة بابٍ ينفتحُ على عوالم تسترخي على ضفة كارون؛ وأنا غائبٌ عنكَ يا مَلأَ الطيور.


قلقٌ عليك

قلقٌ على النوافذ؛ وعلى الأواني التي تهرم في الرفوف؛ وعلى الريح غاضبة لا تغيّرُ شيئًا في قلقي؛ قلقٌ عليك وأنتِ بعيدة عن هذا الطقس وعلى الطيور التي لا تنفك تُصَوَّتُ خلف النوافذ؛ وعلى مدنٍ لا تزالُ غارقة في الشمس وفي الغبار. سأغادرُ هذا المكان؛ لعلي أراك، تجري على المياه يا قاربَ خارون.


غدًا سيحبونني

تجرحونني بالحجر في شوارع النائمين؛ ولا تؤويني إليها كرمةٌ؛ تطاردونني بخيولكم ولا مغارة تضمّني؛ سأهرب منكم ولا مدينة تحملني. كانت مدينتي جنة الروح؛ وكان كلامُها العربيُّ وشمًا على ذقن القمر؛ وكنتُ أصيح من شدة حُسْنِها الله أكبر. سوف يحبّني أطفالُكم؛ سوف تزورونني حين لم أكن في البيت؛ سوف تزورونني في الغياب.


* شاعر ومترجم من مواليد الأهواز عام 1982

المساهمون