خالد لطفي: النشر جريمة في مصر

22 فبراير 2019
غرافيتي من القاهرة
+ الخط -
تتوالى الأخبار السيئة من مصر؛ تعديلات جائرة للدستور، تفجيرات وضحايا، وشباب أُعدموا الأربعاء الماضي، لم تعطهم دولتهم حقّهم في محاكمة عادلة عند قضاء نزيه وعذّبتهم في أقبيتها قبل أن تنتزع منهم حياتهم، لتجعل من كشف حقيقة مسؤوليتهم عن الجرم الذي أدينوا به ضرباً من المستحيل، وثمّة خبر آخر يمر مع هاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أمس، "حبس ناشر لمدة خمسة أعوام".

جاء قرار الحكم على الناشر المصري خالد لطفي وصاحب مكتبة تنمية على خلفية نشره كتاب "الملاك" للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف، ومنذ أمس تداول كتّاب وصحافيون مصريون وسم #متضامن_مع_خالد_لطفي في محاولة تبدو يائسة لممارسة حرية افتراضية، في بلاد شهدت قبل سنوات قليلة ثورة قلبت الموازين، واليوم يخشى مواطنوها ومثقفوها التظاهر احتجاجاً على حكم جائر.

نختلف مع الناشر في تقديم رواية إسرائيلية إلى القارئ العربي لأن في ذلك شكل من أشكال التطبيع الثقافي، لكن التهمة التي وُجّهت إلى لطفي هي إفشاء أسرار عسكرية، بالرغم من أن الكتاب منشور سابقاً عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت، كما أنه متوفر مجاناً على الإنترنت لكل من يرغب في تحميله، ليس هذا فقط بل تحوّل إلى مسلسل يُبثّ على "نتفليكس"، فأية أسرار عسكرية تلك التي أفشاها لطفي؟

الكتّاب الذين ما زالوا يحتجّون على إعدام تسعة شبّان مصريين الأربعاء الماضي، صُدموا بالحكم المجحف على الناشر الذي يقبع في السجن منذ عام تقريباً، بينما يبدو أن حكم العسكر يضرب مستخدماً يد القضاء بالتخويف والترهيب، في حالة مثيرة للقلق والخوف تشي بأن الاستبداد الذي تعيشه مصر ستزداد ظلمته في مقبل الأيام.خالد لطفي

كل هذا والبلاد ما زالت تتنفس بصعوبة على وقع التعديلات الدستورية التي تسعى مؤسسة الحكم العسكرية إلى استتبابها بيد ظلامية تقمع وتضرب وتقتل وتحجب وترعب وتلهي أيضاً الناس والمثقفين خاصة، بآراء وتنظيرات حول عقوبة الإعدام والدولة وفكرة الانتقام وتهمة النشر.

هنا جولة في صفحات الكتّاب المصريين، قامت بها "العربي الجديد"، مستطلعة بِمَ يفكرون وكيف يفكرون في مرحلة قد تكون من الأسوأ في تاريخ مصر الحديث.

الشاعر والمترجم أحمد شافعي كتب على صفحته: "الدولة بتحبس ناشر ما عملش أي حاجة غير إنه اشتغل شغله: نشر كتاب كان منشور أصلاً، ومترجم أصلاً، وأتاحه للمصريين لأن الكتاب بيتكلم عن جزء مهم من تاريخهم ولأن فيه مغالطات لازم يفندوها".

وأضاف "أنا أكثر من #متضامن_مع_خالد_لطفي، أنا متعاقد معه وأترجم له كتاباً الآن (عن الفصاء الخارجي عشان ماحدش يعتقلني أنا كمان، آه والله الكتاب عن الفضاء الخارجي وأشياء أخرى خارجية جداً). لأن الترجمة مش جريمة والنشر مش جريمة، ولأن اللي هيبقى كمان سنين قليلة من كل الخراب اللي حوالينا هو الكم كتاب وفيلم ولوحة اللي هنسيبهم".

الكاتب أحمد الشيطي غرّد على تويتر قائلاً: "أخيرًا أصبح نشر كتاب يشبه الوقوف أمام حائط ضرب النار أثناء ضرب النار. خالد لطفي نموذجاً".

بينما علّق الروائي عزت القمحاوي: "الثقافة هي قوة مصر الخائفة، وسنغزو الآخرين بخوفنا". كما كتبت الشاعرة إيمان مرسال على صفحتها في تويتر أيضاً: "كل التضامن مع #خالد_لطفي ومع وجود مكتبة تنمية، ضدّ إرهاب العسكر وضدّ غباء العسكر وضدّ بلطجة العسكر وضدّ صحافة العسكر".

بدوره قال القاص هشام أصلان: "مش عارف التضامن دلوقت مفيد ولا لا، لكن عزاءنا إن السكوت كان احتراماً لرغبة أسرته، اللي كان أملها الصمت يساهم في إن الأمور تعدّي على خير. على أي حال أنا #متضامن_مع_خالد_لطفي وأدعو اتحاد الناشرين لعمل أي محاولة لإنقاذ ناشر من السجن 5 سنين لمجرد نشر طبعة مصرية من كتاب كان موجود ومنشور بالفعل ومتوفر في أي معرض كتاب عربي".

الروائي أحمد عبد اللطيف كتب على حسابه في فيسبوك: "لازم نفصل السلطة عن الدولة المصرية ونسلمها لأي حد، بنفس منطق فصل النت عن العيال المهايبرة. مش ممكن أبداً تحويل ناشر وصاحب مكتبة لمحاكمة عسكرية لنشر وبيع كتاب "الملاك" اللي هو أصلا اتعمل فيلم والناس شافوه على نتفلكس، وبعدين المحكمة تصدر حكم بالسجن مدة 5 سنين. والله ولا في جمهوريات الموز دا ممكن يحصل".

كثيرون نشروا وسم التضامن من دون تعليق، أو علّقوا من خلال نشر صورة لهم مع لطفي، بعضهم نشر وسم #النشر_مش_جريمة، ولا شك أن كثيراً منهم يخشى أن يعلّق أو ينتقد أو يهاجم أو يكتب شيئاً صريحاً، إذ يبدو أننا نعيش عصر إرهاب الدولة بلا منازع، بالنظر إلى نماذج من حولنا، سنجد أمثلة صارخة لما تقوم به دول انضمت بمؤسساتها وقضائها وجيوشها إلى ممارسة الإرهاب، لم ننس ما وقع لخاشقجي بعد!

فما هو الإرهاب سوى أعمال عنف تتذرّع بتبريرات سياسية أو أيديولوجية أو دينية ضد الأفراد أو الجماعات دون وجود نزاع مسلح أو حرب معلنة، وما الفرق بين من فجّر نفسه في الدرب الأحمر قبل أيام وبين من قضى بتنفيذ الإعدام على تسعة شبّان مصريين، ثم سجن ناشراً خمسة أعوام، سوى أن الثاني ينفذ العنف ويرهب الناس باسم الدولة وبيدها وقانونها؟

دلالات
المساهمون