في الحاجة إلى فنان قارئ

27 أكتوبر 2015
تجهيز لـ هلال سامي هلال/ البرازيل
+ الخط -

في أغلب كتاباته النقدية ولقاءاته الصحافية، اعتاد الناقد والروائي المغربي عبد الفتاح كليطو أن ينفي عن نفسه صفة المثقف البارز أو الباحث اللامع في متون التراث الأدبي الإنساني. وفي مقابل ذلك، يصر على الاعتراف - وبخجل العالم المتواضع - بكونه يطمح أن يكون قارئاً جيداً فقط؛ هكذا مجرد قارئ يسعى وراء تعقب النصوص التراثية النادرة للكشف عن غوامضها وفك رموزها.

هذا السعي وراء الفهم والإفهام، وتيسير سبل اكتشاف غوامض الحياة والتعرف على الآخر واستيعاب اختلافه، جسّده خطاب التشكيل منذ إنسان الكهوف والمغارات والبراري المفتوحة على الطبيعة، خصوصاً في شقه المرتبط بالرسم والنحت على وجه الخصوص.

من هنا، اعتبر هذا الخطاب أصيلاً أثبتت لقيات الحفريات بأنه كان لغة تواصل مشتركة وفعالة بين البشر، سواء في توسلهم للألوان أو الأشكال أو العلامات للتعبير عن نفسيتهم، منذ أن وجد هذا الإنسان نفسه عاجزاً عن تفسير مختلف الظواهر والكائنات التي كانت تحيط به أو تتقاسم معه حياته الخاصة وكذا مجال تحركه.

هذه الحقيقة تقودنا إلى طرح السؤال حول علاقة العرب بالتشكيل، وبالرسم والنحت على وجه الخصوص؟ إنها علاقة ظلت مشوبة بغير قليل من الحذر وعدم النضج وسوء الفهم الكبير، وهي ردود فعل لعب فيها الخطاب الديني، أو بالأحرى التأويلات المتواترة لبعض الفقهاء المتطرفين لهذا الخطاب، دوراً حاسماً، كانت نتيجته إهمال هذه الوسيلة التعبيرية التواصلية النبيلة وتهميش فعاليتها.

وإذا كان هذا هو حال المؤسسات الرسمية التي ظلت، في أغلب الأحيان، منساقة وراء مشاعر بعض الفقهاء المرتابين، ممن أغلقوا باب الاجتهاد في عدد من القضايا الدنيوية ذات الصلة بوسائل الفرح وأنواع البهجة وأشكال الترفيه عن النفس، فإن معظم الفنانين العرب، كرّسوا - بدورهم - لرجحان هذا الفهم السالب ودوام سيادته، أو بالأحرى ساهموا في استشرائه، إن باستسلامهم الطيّع لسلطة هذا القهر أو بصمتهم المحايد والمقتنع بواقع الحال.

الأكيد أن مياهاً كثيرة جرت - خلال القرنين الماضيين وفي جغرافيات كثيرة من العالم - تحت جسر الجمال، وهي المياه التي أفادت منها الذائقة الفنية العربية، بهذا القدر أو ذاك وبهذه الخلفية أو تلك، خصوصاً في مجال إنتاج العمل الفني.

في مقابل ذلك، ظل إسهام الفنان العربي في هذا الحركية العالمية، تنظيراً ونقداً وتقويماً لما يؤسس عليه نظرته وفلسفته الجمالية الخاصتين، غائباً، وفي أفضل الأحوال فقيراً ولا يرقى إلى حجم الانتظارات المعلقة عليه.

المساهمون