لا تبدو الثقافة الموريتانية منقطعة عن المشرق العربي تواصلاً وتفاعلاً فحسب، بل يمكن القول إنها بعيدة عن جوارها المغاربي أيضاً، حيث كثير من نخبه باتت فرنسية الهوى واللغة بينما يعيش بقيتهم عزلة لا تزال ممتدة منذ فقدت البلاد اتصالها السياسي مع المراكز الحضارية العربية منذ قرون.
في هذا السياق، يسعى "مركز ابن مقلة لـالخط العربي والزخرفة الإسلامية" الذي أعلن عن تأسيسه في نواكشوط مطلع الشهر الجاري، إلى "تطوير الخط الشنقيطي، ليدخل مجال المنافسة إلى جانب الخطوط المغاربية والمشرقية، عبر إقامة المعارض والدورات والورشات"، بحسب المنظّمين.
يشير مدير المركز مولاي أحمد ولد محمد في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الهدف الأساسي يتمثّل في تضمين مادة الخط العربي في المناهج المدرسية"، لافتاً أن "المشهد الثقافي الموريتاني يشهد حراكاً متنوعاً، أحسن من ذي قبل، يتمثّل في الإصدارات التي تدخل المكتبات بوتيرة متسارعة، من دواوين شعرية وكتب بحثية وترجمات، وكتب إسلامية، فقهية وغيرها.. إلخ، كما تنشط الصالونات الفكرية والثقافية بشكل شبه أسبوعي".
وأضاف "لكن يبقى الشعر هو المتصدّر للساحة، فـ"هناك أصوات شبابية متزايدة تحمل مشعل التجديد وتنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تقام الأمسيات الأسبوعية في "بيت الشعر" وقد ظهرت مبادرات جريئة لتحريك الساعة الشعرية والفكرية، من قبيل "صالون مأمون الأدبي"، ومبادرة "اقرأ معي"، واستدرك بقوله: "النشاط الثقافي في هذه الفترة يشهد انتعاشاً لا بأس به، ولكنه يعاني من غياب الإعلام".
يسعى المركز إلى أن "يشكّل ملتقى للخطّاطين الذين لم يكن لهم من قبل إطار جامع، حيث كان بعضهم يقوم بجهود متفرّقة لإحياء هذا الفن من خلال دورات تحتضنها المراكز الثقافية"، بحسب ولد محمد، الذي يعدّد منهم الفنان مولاي أحمد بن محمد الأمين، الذي أخذ عن الخطاط العراقي البارز عبد الغني العاني، ومحمد سالم الدوه، الذي يقدّم الدورات في عدد من المراكز الثقافية، وبعض المدارس الخاصة.
في حديثه عن المراكز العلمية التاريخية في موريتانيا، يلفت إلى أنها تحتوي على عشرات الآلاف من المخطوطات، خصوصاً في مدن: شنقيط، تيشيت، ولاتة، إضافة إلى المكتبات الشخصية للعلماء وشيوخ المحاظر، الذين حافظوا على الإشعاع العلمي في البلاد، رغم ظروف البداوة التي عاشوها.
كما يشير إلى جهود بعض المؤسسات في الحفاظ على تلك المخطوطات، مثل "المعهد الموريتاني للبحث العلمي"، الذي يتوفر على قاعدة بيانات مفصّلة لعدد كبير من المخطوطات، كما يعمل على ترميمها عبر التعاون مع بعض المؤسسات العالمية، والكثير منها قد تم تحقيقه علمياً في أطاريح جامعية، خصوصاً في "المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية".
رغم ذلك، ينوّه ولد محمد إلى أن "المخطوطات الموريتانية ما تزال في مسيس الحاجة إلى مزيد من العناية والاهتمام، وكثير منها يندثر يومياً بسبب الإهمال وسوء الحفظ"، مؤكّداً أن "العناية بالمخطوطات هي جزء من اهتمام المركز على المدى المتوسط أو البعيد، حيث يجري التخطيط للاستفادة منها في تقعيد الخط الشنقيطي، ورصد مظاهر الخصوصية التي تحتويها تلك المخطوطات، من نواحي الزخرفة والتنويعات التشكيلية، وخصوصاً ظاهرة "الطرة"، التي ينفرد بها المخطوط الشنقيطي، وهي نوع من الشروح والتعليقات يكتب على هامش المخطوط بطريقة مبتكرة يكون فيها قدر من التنويع الزخرفي، باستخدام ألوان مختلفة".
في هذا السياق، يسعى المركز إلى إقامة الدورات التعليمية، وتنظيم المعارض الفنية عبر التعاون مع مختلف الجهات الثقافية، وإلى تمثيل موريتانيا في مختلف الفعاليات الخارجية من مسابقات ومهرجانات للفنون الإسلامية.
يستذكر ولد محمد أسماء أبرز الخطاطين الموريتانيين ومنهم الراحل باشا باشا، الذي درس الخط في المشرق، وكان يخطّ عناوين الصحيفة الرسمية "الشعب"، وكذلك محمدن أحمد سالم، الذي كتب المصحف الموريتاني، ومحمدن بن الحسين ومحمد عبد الله أحمدو.
يختتم ولد محمد بالإشارة إلى معرض يجري الإعداد له حالياً لعدد من الفنانين الذين أسّسوا المركز، كما يجري التحضير لبرامج الدورات التعليمية والورشات والمحاضرات.