مسرحيون في ورطة: وقائع مهرجان افتراضي

14 مارس 2015
مشهد من العرض الأردني "غزل البنات"
+ الخط -
الجمهور حاضر بأعداد لافتة. الفنانون يقدّمون عروضهم بانتظام وبأداء جيّد. لا شيء يوحي بأن ما وراء خشبة المسرح "مهرجان وهمي" لا وجود له إلا في أذهان المشاركين فيه وفي بعض الأفيشات والمواقع الالكترونية التي جذبت جمهوراً محباً للمسرح.

وفي ما يبدو فإن مهرجان "مرا للمسرح النسائي" لم يحتج لكي ينتظم سوى إلى وضع برنامج على الورق، إعلانات على الإنترنت، وقبل ذلك مجموعة من الدعوات لعدد من الفرق المسرحية العربية.

الثلاثاء 10 مارس/ آذار، قدّمت الفنانة العراقية ليلى محمد عرض "حرير" على خشبة "مسرح ابن رشيق" في تونس العاصمة. حاولتُ أن أتصل بمنظمة المهرجان ارتسام صوف للتنسيق معها حول إجراء مقابلات مع بطلة العمل ولكنني لم أجدها، فتوجّهت إلى الفنانة مباشرة.

بعد يومين وصلتني من محمد رسالة على فيسبوك: "لدينا مشكلة كبيرة.. ضُربت إحدى البنات في مهرجان للمرأة". وخلال التواصل معها، أخبرتني بـ"اعتداء الأمن في الفندق على إحدى الفنانات الأردنيات المشاركات وافتكاك جوازات سفر الفنانين بسبب عدم دفع تكاليف الإقامة".

هذه عينة مما عاشه المشاركون في مهرجان "مرا للمسرح النسائي". لقد وجدوا في تونس ظروفاً غير منتظرة، حيث أُسكنوا فندقاً غير لائق وبعيداً عن أماكن عروضهم، ولم تتوفر لهم وسائل نقل إلا خلال يومين، حتى إن الفنانة العراقية إقبال نعيم ذهبت لتقديم عرضها "الصامتات" بالتاكسي. كما فوجئت مجموعة "الفريق الوطني للمسرح التفاعلي" الأردنية بأن الصالة محجوزة لعرض فيلم ألماني؛ ما جعل عرضهم، "غزل البنات"، يؤجل لساعتين.

ويعتبر المسرحي العراقي وحيد خيون أن "ثمة عملية احتيال والمهرجان وهمي"، ويقول لـ "العربي الجديد": "لولا أن الدعوة وصلتني، مكتوباً في أعلى الصفحة وزارة الثقافة التونسية، لم يكن لفرقة مسرحية عريقة مثل "محترف بغداد" أن تشارك".

وبحسب المخرج العراقي، فلاح إبراهيم، فإن "ما حدث مع الوفود شيء مخجل، وخاصة الوفد الأردني". ويضيف "كنا شبه محتجزين بالفندق، فقد طالبتنا إدارة الفندق بدفع مصاريف الإقامة. وحين أراد الوفد الأردني صبيحة الجمعة 13 آذار/ مارس مغادرة الفندق للالتحاق بطائرتهم التي تقلع بعد ساعتين، منعوا من المغادرة واعتدى أحد حرس الفندق على المخرجة الأردنية سوزان البنوي".

منظِّمة المهرجان ارتسام صوف صرّحت لـ "العربي الجديد" بأن "مهرجانها مستهدف"، وهي تنتقد "لا مبالاة وزارة الثقافة، حيث أنها لم تجب طلبها بدعم المهرجان مادياً لا بالنفي ولا بالإيجاب"، وحين اقترب موعد انطلاق المهرجان أرسلت للفرق المسرحية فـ"وافقت على الحضور رغم اطلاعها على قدرات المهرجان المادية الضعيفة".

سألناها إن كان هذا كافياً لتنظيم المهرجان، فقالت: "لم يأتنا رفض من الوزارة" وهي تعتبر، بالتالي، وزارة الثقافة قد ورّطتها. رغم ذلك، ترى صوف أن "هذه المشاكل لا تسيء للمهرجان، بل أنها تسلط الضوء على واقع الفنانين الذين يظلون ينتظرون لأشهر جواباً على مطلب الفيزا لكي ينتقلوا إلى بلد عربي لعرض أعمالهم".

كما تكشف صوف أن مهرجانها كان جزءاً من تظاهرة "هنّ يبدعن" التي نظمتها وزارة الثقافة التونسية على هامش اليوم العالمي للمرأة، كما يدل على ذلك برنامج وزارة الثقافة المطبوع. وحول الطريقة التي حلت بها مشكلة احتجاز جوازات سفر المشاركين، تقول صوف إن "وزارة الثقافة قد تكفلت بمصارف إقامة الفنانين تحت الضغط".

شكري لطيف، مدير فضاء "دار الثقافة ابن رشيق" التابع للوزارة، يوضح من جهته: "كل ما في الأمر أن منظِّمة المهرجان قامت بتقديم طلب للمندوبية الجهوية للثقافة في تونس للدعم، ويتمثل هذا الدعم في تخصيص فضاء دار الثقافة ابن رشيق لاحتضان ستة عروض لم يقع منها سوى 3 عروض" أي أن تكاليف الإقامة ونقل الوفود وما إلى ذلك خارج مسؤولية وزارة الثقافة.

ويشرح أن "وزيرة الثقافة قد تدخلت لتسوية الوضعية، بدفع الوزارة لتكاليف الإقامة" وكان ذلك بعد أن اتصل الفنانون بسفارات دولهم فسارعت الوزارة إلى حل المشكل قبل أن تتعقد الأمور أكثر.

ما حدث خلال هذ المهرجان، ورغم أنه أمر نادر الوقوع، إلا أنه قابل للتكرار إذا ما تكررت الظروف التي أحاطته من استغلال لعدة ثغرات وبساطة الوسائل المغالطة ولا مبالاة إدارية. لا أحد لاحظ من البداية أن المهرجان أقيم في تونس من دون عرض تونسي واحد، وحدث ما حدث في ظل صمت إعلامي مطبق. ربما هو بالفعل مهرجان افتراضي، لكن الدرس حقيقي.

المساهمون