حين تطير المدن

03 ابريل 2016
(حديد، تصوير: ديفورك ديانسيزمان)
+ الخط -

في مواجهة أي تصميم معماري من تصاميم الراحلة المعمارية زها حديد (1950-2016)، لا يملك المشاهد إلا أن يشعر بخفة الأشكال والأحجام مهما بلغت من الضخامة، ولا يملك إلا أن يتلفت حوله باحثاً عن مكان يحط عليه.

أشكال هذه المعمارية العراقية البريطانية تتخطى الأمكنة والمدن التقليدية، وتتصل بروح زمن آخر قادم ربما، لا يكون فيه مهيمناً سوى الثراء الباذخ على ما عداه.

قال بعضهم أن تصاميم مبانيها النابعة من مخيلة حرة وغريبة لا تنتمي إلى المدن التي ينبغي أن تنتمي إليها، هذا صحيح، ليس لأن ثمة غربة بينها وبين ما يحيط بها، بل لأن عمائرها الشبيهة بسفن طائرة تحط على الأرض او على مسافة منها، تسعى بحركتها الانسيابية الحرة نحو خلق فضاء آخر، أو مكان آخر.

هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها الفن المعماري إلى بث إيحاء في جميع الاتجاهات، يكون أشبه بنداء لتغيير المنظور والفضاء ومحل الإقامة على الأرض، أي خلق ما يلائمه وينسجم مع إيقاعاته، خلق مدن، وربما أمزجة بشر يستبدلون هوياتهم المألوفة بهويات كائنات أخرى.

ومقارنة بما هو منجز قبل هذا التنويع اعتماداً على أكثر من زاوية، يبدو هذا النداء خروجاً على المألوف، على الوظيفة المعتادة لمعمار ظل طيلة سنوات في خدمة أغراض غارقة في تنظيم شؤون طرق السير وثقل المباني وتوزيع المساحات.

ويقال أن هذه المعمارية بتصاميمها الجذابة على الورق والصعبة على أرض الواقع، عملت على نقل الإنسان من عوالمه الواقعية إلى عوالم متخيلة، وهذا صحيح أيضاً، إلا أن هذه الصحة لا تقدح بما أنجزته، بل تعزز المسعى نحو تغيير البيئة والمحيط، وليس تجميلهما فقط، بإضافة عنصر إلى المشهد الطبيعي شبيه بما كان يحاوله الفنان الشرقي؛ إضافة غصن أو زهرة إلى شجرة الطبيعة وليس محاكاتها أو مجاملتها.

الشاهد على هذا تنوع التصاميم بين تصميم مبنى ثقافي، وآخر سكني، وآخر عام يتجمع فيه الناس، يلتقون ويفترقون، مثل المحطة والميناء.. إلخ، وكلها مما هو خارج على التقليدي والمألوف، والمنساب بحرية نحو أي شكل يمكن أن يتخذه بلا حدود.

هذه هي الطبيعة ربما حين يبتكر الإنسان لها أبعاداً وفضاءً تدل عليه وليس على عماءٍ واختلاط لا معنى له. وهذه هي الطبيعة كما ستكون في عصر يتطلع إلى الفضاء وإلى ما بعده، ولا يغرق في أوابد الماضي.

المساهمون